أولا: تعريفها في اللغة:
الخُطْبَةُ: هي بضم الخاء، وهي ما يُقال على المنبر، يُقال: خَطَبَ على المنبر خُطْبَة - بضم الخاء - وخَطَابة، وأما خِطْبَة - بكسر الخاء - فهي طلب نكاح المرأة
وهي مشتقة من المخاطبة، وقيل: من الخطب، وهو الأمر العظيم؛ لأنهم كانوا لا يجعلونها إلا عنده.
قال في تهذيب اللغة: " والخطبة مصدر الخطيب، وهو يخطب المرأة ويخطِبُها خِطبة وخِطِّيبى... قلت: والذي قال الليث أن الخطبة مصدر الخطيب لا يجوز إلا على وجه واحد، وهو أن الخُطبة اسم للكلام الذي يتكلم به الخطيب، فيوضع موضع المصدر، والعرب تقول: فلانٌ خِطْبُ فلانة، إذا كان يخطبها.
وقال في القاموس: ".. وخَطَبَ الخاطب على المِنْبَر خَطابة بالفتح، وخُطبة بالضم، وذلك الكلام خُطبة أيضا، أو هي الكلام المنثور المُسَجَّع ونحوه، ورجل خَطِيبٌ حسن الخُطبة بالضم " .
- وقال في مختار الصحاح: " خاطَبَه بالسلام مُخَاطَبة وخِطَابا، وخطب على المنبر خُطْبَة - بضم الخاء - وخَطَابة، وخَطَب المرأة في النكاح خِطْبَة - بكسر الخاء - يخْطُبُ بضم الخاء فيهما، واختَطَبَ أيضا فيهما، وخَطُبَ من باب ظَرُفَ صار خطيبا " .
وقال في المصباح: " خَاطَبَه مُخَاطَبَة وخِطَابا، وهو الكلام بين متكلم وسامع، ومنه اشتقاق الخُطبَة - بضم الخاء وكسرها - باختلاف معنيين، فيُقال في الموعظة: خَطَبَ القوم وعليهم من باب قتل، خُطبة - بالضم -، وهي فُعلة بمعنى مفعولة... وجمعها خُطب، وهو خطيب القوم إذا كان هو المتكلم عنهم، وخَطَبَ المرأة إلى القوم إذا طلب أن يتزوج منهم، واختطبها، والاسم الخِطْبة - بالكسر -.
وقال في حلية الفقهاء: " وأما الخُطْبة فاشتقاقها من المُخاطبة، ولا تكون المخاطبة إلا بالكلام بين المُخاطَبين، وكذلك خِطْبَة النكاح، وقال قوم: إنما سمِّيتْ الخُطبة لأنهم كانوا لا يجعلونها إلا في الخَطْب والأمر العظيم، فلهذا سميت خُطْبة ".
ثانيا: تعريفها في الاصطلاح:
عرَّفها بعضهم بأنها: الكلام المؤلف المُتضمِّن وعظا وإبلاغا ، ولكن هذا فيه إجمال.
وأوضح منه تعريف من قال: إنها قياس مركب من مقدمات مقبولة أو مظنونة، من شخص معتقد فيه، والغرض منها ترغيب الناس فيما ينفعهم من أمور معاشهم ومعادهم (7).
وعرَّف بعض المعاصرين الخطابة: بأنها فنّ من فنون الكلام، يقصد به التأثير في الجمهور عن طريق السمع والبصر معا (8).
وكل هذه التعريفات ونحوها تدور حول التعريف بالخطبة عموما، ومعناها متقارب.
وأما خطبة الجمعة بخصوصها فلم أطلع على تعريف صريح لها - فيما بين يدي من كتب الفقهاء - لعلهم تركوا ذلك لوضوحها عندهم، وقد جاء في بدائع الصنائع في معرض كلامه على أحكام خطبة الجمعة قوله: " والخطبة في المتعارف اسم لما يشتمل على تحميد الله والثناء عليه، والصلاة على رسول الله r والدعاء للمسلمين، والوعظ والتذكير لهم " (9)
وهذا بيان لمعناها حسب المتعارف عليه، وليس تعريفا دقيقا تتوفر فيه الشروط المعتبرة عند الأصوليين.
ولكن بعد تأمل ما تقدم ذكره من التعريف اللغوي والتعاريف الأخرى، وبناءً على ما ترجح في أحكامها يمكن أن أعرّفها تعريفا تقريبيا بأنها: ما يُلقى من الكلام المتوالي الواعظ باللغة العربية قبيل صلاة الجمعة بعد دخول وقتها بنية جهرا قياما مع القدرة على عدد يتحقق بهم المقصود.
هي بضم الميم وإسكانها وفتحها: الجُمُعَة، والجُمْعَة، والجُمَعَة، والمشهور الضم، وبه قُرئ في السبع في قول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ" (10) والإسكان تخفيف منه، ووجه الفتح بأنها تجمع الناس كما يُقال: هُمزة، وضُحكة للمكثرين من ذلك، والفتح لغة بني عُقَيل، ويُجمع على جُمُعات وجُمَع.
قال في لسان العرب: ".. والأصل فيها التخفيف جُمْعَة فمن ثقل أتبع الضمة الضمة، ومن خفف فعلى الأصل، والقرّاء قرءوا بالتثقيل، ويُقال: يوم الجُمَعَة لغة بني عُقَيل، ولو قُرئ بها كان صوابا، قال: والذين قالوا: الجُمَعَة ذهبوا بها إلى صفة اليوم أنه يجمع الناس كما يُقال: رجل هُمَزة لُمَزة ضُحَكة، وهو الجُمْعَة، والجُمُعَة والجُمَعَة... ويُجمع على جُمُعات، وجُمَع، وقيل: الجُمْعَة على تخفيف الجُمُعَة، والجُمَعَة لأنها تجمع الناس كثيرا كما قالوا: رجل لُعَنة يُكثر لعن الناس، ورجل ضُحَكة يُكثر الضحك.(11).
وقال في مختار الصحاح: " ويوم الجُمُعَة بسكون الميم وضمها يوم العروبة، ويُجمع على جُمُعات وجُمَع، والمسجد الجامع، وإن شئت قلتَ مسجد الجامع بالإضافة، كقولك: حق اليقين، والحق اليقين، بمعنى مسجد اليوم الجامع، وحق الشيء اليقين، لأن إضافة الشيء إلى نفسه لا تجوز إلا على هذا التقدير " (12)(.
وقال في تحرير ألفاظ التنبيه: " الجُمُعَة بضم الميم وإسكانها وفتحها، حكاها الفراء والواحدي، سُميت بذلك لاجتماع الناس، وكان يُقال ليوم الجمعة في الجاهلية العروبة، وجمعها جُمُعات وجُمَع " (13).
- تسميتها وسببها:
يُقال إن هذا اليوم كان يُسمى في الجاهلية بـ " يوم العُروبة " كما تقدم في النقول السابقة (14) ونقل ابن حجر الاتفاق على ذلك (15) ثم سُمِّي قبيل الإسلام بـ " يوم الجمعة "، سمَّاه بذلك كعب (16) بن لؤي، فكانت قريش تجمع إليه فيه، فيخطبهم ويعظهم، وقيل: لم يسم بيوم الجمعة إلا بعد الإسلام " (17).
وأما سبب التسمية فتعددت الأقوال فيه:
- فقيل: لأن الله - تعالى - جمع فيه خلق آدم - عليه السلام، ويستدلون بما روي عن النبي صلى الله عايه و سلم أنه قيل له: لأي شيء سُمِّي يوم الجمعة؟ قال: لأن فيها طُبعت طينة أبيك آدم، وفيها الصعقة والبعثة، وفيها البطشة، وفي آخر ثلاث ساعات منها ساعة من دعا الله فيها استُجيب له } (18) (19).
وصحَّحَ هذا القول في فتح الباري (20) ونيل الاوطار (21)
- فقيل: لاجتماع الناس فيها في المكان الجامع لصلاتهم (22).
- وقيل: لأن الله - تعالى - جمع فيه آدم مع حواء في الأرض.
- وقيل: لما جُمع فيه من الخير (23).
-وقيل غير ذلك، وهذه الأقوال بعضها مأخوذ من دلالة الاسم، وبعضها مستند إلى أحاديث لم تثبت، ولا مانع أن تكون كل هذه الأشياء سببا للتسمية، والله أعلم.
3/ مختار الصحاح ، مادة " خطب " ص (76).
9/ بدائع الصنائع1/262
14/ وينظر أيضا: المحلى 5/45 ، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 18/97 ، وفتح الباري 2/353 ، والإنصاف 2/364 ، ونيل الأوطار 3/222.