Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
albasseira.overblog.com

un blog qui traite des sujets sur l'islam

أقسام الحديث  الحديث الحسن اقسام المردود

أقسام الحديث  الحديث الحسن اقسام المردود

شرح متن البيقونية

لفضيلة الشيخ/ طارق عوض الله

 

https://www.facebook.com/groups/elbassaire

https://www.facebook.com/hadithecharif

https://twitter.com/hadithecharif

https://www.youtube.com/user/hadithecharif

https://al-bassair.blogspot.com

إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد ألا إله الله وحده لا شريك, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أن الحديث الصحيح هو أعلى مراتب قبول الحديث.وقولنا "أعلى" يُفهم من ذلك أن هناك مراتب أخرى هي أدنى من الصحيح, وهي داخلة أيضًا في المقبول من الأحاديث, وهذا المقبول الذي هو أدنى من الصحيح هو الذي يسمى عند العلماء بالحديث الحسن. ولهذا كان من المناسب أو يُذكر بعقد الكلام عن الحديث الصحيح, فلهذا بعد أن انتهى المؤلف -رحمه الله- من نظم شروط الحديث الصحيح عرَّج إلى الحديث الحسن.

 

هنا نلاحظ أن الناظم نظم الحديث الحسن بعد أن اختار من أقوال أهل العلم تعريفًا يُنسب إلى الإمام أبي سليمان الخطابي -رحمه الله تعالى-, الإمام أبو سليمان الخطابي في أوائل كتاب "معالم السنن" له في شرح سنن أبي داوود السجستاني لما تعرَّج للحديث الحسن قال: "هو ما عُرف مخرجه واشتهر رجاله",وهنا الناظم أخذ هذا التعريف الذي ذكره الإمام الخطابي -رحمه الله تعالى- ولكنه زاده بيانًا وتوضيحًا.

 

فكلمة الخطابي كلمة فيها نوع من الإيهام, لنه حيث قال -رحمه الله تعالى- في تعريف الحديث الحسن: "ماعُرف مخرجه واشتهر رجاله", كانت العبارة موهمة لأن الصحيح أيضًا عُرف مخرجه واشتهر رجاله, فكما أن رجال الحديث الحسن قد اشتهروا فكذلك رجال الحديث الصحيح هم أيضًا من المشهورين. فما الفرق إذن بين الصحيح وبين الحسن, فلهذا احتاج الناظم إلى إيضاح ما أجمل في كلام الخطابي -رحمه الله تعالى

أي أنهم وإن اشتهروا بالثقة والعدالة والضبط كما أن رجال الصحيح كذلك إلا أنهم أدنى مرتية ومنزلة من رجال الأحاديث الصحيحة, وهنا يحدث أو يظهر وينجلي لنا الفرق, لأننا قلنا: أن الصحيح في أعلى الرماتب, والحسن في أدنى المراتب وإن كان كل من الصحيح والحسن داخلًا في نطاق المقبول, إلا أن الصحيح في أعلى مراتب القبول, والحسن في أدنى مراتب القبول.

وهنا نلاحظ أيضًا أن هذا التعريف الذي ذكره الإمام الخطابي وذكره عنه الناظم اشتمل على معنى مهم جدًا ألا وهو قوله:

"ما عرف مخرجه", ما معنى كون الحديث معروف المخرج؟ كل حديث من الأحاديث له مخرج, علماء الحديث -عليهم رحمة الله تعالى- عندما يتناولون الأحاديث بالدراسة لا يكتفون فقط بالنظر في أحوال الرواة راويًا راويًا, والنظر في الاتصال من حيث ظاهر الإسناد فيحكمون على الحديث حينئذٍ بالصحة أو بغيرها, وإنما يعالجون قضية في غاية الأهمية, وهي ما تسمى بأصل الحديث, بمخرج الحديث, بمدار الحديث, وهذه عبارات يستعملونها وهي تدل على معنى واحد.

فكل حديث من الأحاديث له مخرج خرج منه الحديث. ما مفهوم المخرج عند علماء الحديث؟ عندنا مثلًا حديث يُروى عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- هذا الحديث قد يكون مرويًا في كتب كثيرة, يُروى في البخاري, في صحيح البخاري, في صحيح الإمام مسلم, في سنن أبي داوود, في سنن الترمذي, في سنن النسائي, في سنن ابن ماجة, في مسند الإمام أحمد, في معاجم الطبراني, وهكذا.. والكتب التي جمعت الأحاديث ورُويت فيها الأحاديث بالأسانيد إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- كثيرة جدًا, هذه الكتب قد تتفق في رواية حديث واحد بإسناد واحد, لكن هذا الإسناد الذي جاء به ذلك الحديث في هذه الكتب كلها إنما كل كتاب من هذه الكتب صاحبه يروي الحديث بسند إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويلاحظ من خلال هذه الأسانيد أنه تلتقي عند رجل واحد, كما ذكرنا في لقاء سابق حديث «إنما الأعمال بالنيات, وإنما لكل امرئ ما نوى», قلنا: أن هذا الحديث يرويه يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه- عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-

وقلنا: إن هذا الإسناد هو إسناد ذلك الحديث الذي يصح به ذلك الحديث, وأن مَن روى هذا الحديث -أعني المتن- بغير ذلك الإسناد قد غلط في ذلك عند نقاد الحديث, عندما نتأمل هذا الحديث في تلك الكتب وغيرها؛ نجد أنها جميعًا يوجد فيها الحديث بهذا السند, ولكن كل مؤلف من هؤلاء المؤلفين, كل مصنف من هؤلاء المصنفين يروي الحديث بسند من عنده إلى يحيى بن سعيد الأنصاري, فالبخاري يرويه بسند إلى يحيى الأنصاري, الإمام مسلم يرويه بسند إلى يحيى الأنصاري, أحمد بن حنبل يرويه بسند إلى يحيى الأنصاري, وهكذا..

إذن: نلاحظ أن الأسانيد وإن تعددت إلا أنها تلتقي عند رجل واحد عليه يدور الحديث, هذا الرجل هو الذي نسميه "مخرج الحديث" أي من عنده خرج الحديث, وعنده التقت الأسانيد فصار الحديث مهما تعددت رواياته لا بد أن ترجع تلك الروايات إلى هذا الراوي الذي خرج من عنده الحديث.

فعندما نقول: ما عُرف مخرجه.

ما معنى قولنا: "ما عرف مخرجه"؟ أي أن يكون هذا المخرج الذي هو يحيى بن سعيد الأنصاري الذي خرج من عنده الحديث ثبت فعلًا لدى نقاد الحديث أنه حدَّث بهذا الحديث, وأن ذلك ليس من خطأ مَن روى الحديث عنه, هنا نجيب على الإشكالية التي طرحها بعض إخواننا سابقًا لما ذكرنا أن هناك مَن روى نفس المتن بإسناد آخر عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-

وقلنا: إن نقاد الحديث قالوا: هذا المتن لا يصح بهذا السند, إنما يصح بالسند الآخر الذي هو عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لماذا؟ لماذا قال العلماء هذا الكلام؟ لأن مخرج الحديث الذي هو مالك -عليه رحمة الله تعالى- لم يصح إليه, أي لم يصح لدى نقاد الحديث أن مالكًا حدَّث بهذا الحديث بهذا الإسناد الذي نُسبَ إليه خطأ من قِبَل مَن روى الحديث عنه, فهنا يظهر لنا الفرق بين صحة المخرج وعدم صحته, فحديث الأعمال بالنيات إذا رويناه عن يحيى الأنصاري بالإسناد إلى عمر بن الخطاب فنقول: هذا مخرج صحيح له أصل. ثبت لدى النقاد وأئمة الحديث أن يحيى الأنصار بالفعل حدَّث بهذا الحديث بهذا الإسناد إلى عمر بن الخطاب عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-, وثبت لديهم أيضًا أن ذاك الآخر وهو ابن أبي روَّاد عبد العزيز بن أبي روَّاد, حيث روى الحديث عن مالك متفرد به بهذا الإسناد لم يصح لدى نقاد الحديث أن مالكًا روى الحديث بهذا الإسناد عن زيد بن أسلم بالإسناد إلى أبي سعيد الخدري عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وقالوا: إن ذلك خطأ على مالك, الخطأ ممن؟ من مالك أم ممن روى الحديث عن مالك؟ ممن روى الحديث عن مالك, لأن أصحاب مالك المعروفين برواية الحديث عن مالك, المشهورين بحفظ حديث مالك وجمع حديث مالك, إتقان حديث مالك؛ لم يرووا عن مالكٍ ذلك الحديث بهذا الإسناد, إنما ذلك خطأ من قِبَل من ادعى ذلك على مالك -عليه رحمة الله تعالى-

فهذا مخرج غير معروف, وهذا نسميه: شاذ. وتذكرون أننا قلنا في الحديث الصحيح: لا بد لكي يكون صحيحًا أن يكون سالمًا من الشذوذ, فهذه إحدى صور الشذوذ, وهو أن يكون الحديث ليس معروف المخرج, أي مروي بإسناد عن رجل من الحفاظ الكبار, ثم لا يصح ذلك الحديث عن ذلك الإمام الحافظ, إنما ذلك خطأ ممن نسب الحديث إليه.

أما المخرج المعروف كمثل ما رواه الناس عن يحيى الإنصار بالإسناد إلى عمر بن الخطاب عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فهذا مخرج معروف, لماذا؟ لأنه صحَّ وثبت لدى علماء الحديث أن يحيى الأنصار حدَّث فعلًا هذا الحديث بهذا الإسناد عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-

إذن نفهم من هذا أن الحسن وإن كان دون الصحيح في المنزلة والرمتبة إلا أنه لا بد أيضًا أن يكون سالمًا من الشذوذ والعلة.

إذن ما الذي جعل الحسن دون الصحيح؟ نحن قلنا: أن رجال الحسن دون رجال الصحيح, وقلنا: أن الحسن لاب د أن يكون سالمًا من الشذوذ والعلة كما أن الصحيح لا بد أن يكون سالمًا من الشذوذ والعلة, وبطبيعة الحال لا بد أن يكون متصل الإسناد كما أن الصحيح لا بد أن يكون متصل الإسناد, وبالضرورة لا بد أن يكون رواته موصوفين بالعدالة كما أن رواة الصحيح لا بد أن يكونوا موصوفين بالعدالة, فما الذي جعل الحسن دون الصحيح؟ هو: حال الرواة من حيث الضبط لا من حيث العدالة, فالعدالة لا بد وأن تتحقق في أي راوٍ يُقبل حديثه, لكن الضبط مراتب ودرجات, هناك رجل ضابط وهناك رجل أضبط, هناك ثقة وهناك أوثقو هناك حافظ وهناك أحفظ, هناك متقن وهناك أتقن.

إذن لما كان ضبط الراوي تفاوت من راوٍ إلى آخر؛ صار هناك الناس -يعني رواة الحديث- على مراتب, فمن كان منهم من أعلى المراتب فحديثه صحيح, ومَن كان منهم من أدنى المراتب وهو داخلٌ في الثقات فحديثه في مرتبة الحسن, لكن باقي شرائط الصحيح لا بد وأن تتحقق أيضًا في الحديث الحسن من اتصال الإسناد وعدالة الرواة, وسلامة الحديث من كونه شاذًا أو معلولُا.

فالفرق فقط بين الصحيح والحسن هو ما يتعلق بحال الراوي من حيث الضبط والإتقان, فهذا ضبط مثلًا 99بالمئة, 95 بالمئة, وهذا ضبطه 80 بالمئة, ومن هنا جاء التفاوت.

ومع ذلك؛ فهذا التفاوت الذي جعل الحسن دون الصحيح قد نتجاوزه في بعض المواضع. متى؟ نحن نتكلم عن الصحيح المجرد والحسن المجرد, أي الصحيح الذي لم ينضم إليه شيء آخر, لكن هذا الراوي الذي درجة ضبطه 80 بالمئة لو أنه لم ينفرد بالحديث, بل وجدنا هذا الراوي غيره يوافقه على ما روى, فبدل من أن يكون متفردًا بالحديث قد وافقه على روايته واحد أو اثنان أو ثلاثة, فإن هذا يجعلنا نطمئن إلى أن ما عُرف به هذا الراوي من خفة الضبط نسبيًا لم يؤثر عليه في ذلك الحديث تحديدًا, بدليل: أنه لم ينفرد به وإنما وافقه عليه ماذا؟ غيره.

 فبتلك الموافقات التي نسميها "متابعات" بتلك المتابعات والموافقات يرتقي الحديث ثانية إلى مرتبة الصحيح, لأننا لماذا نزلنا بالحسن إلى مرتبة دون مرتبة الصحيح؟ نخاف أن يكون ما عُرف به ذلك الراوي من خفة الضبط ان يكون ذلك أثَّر عليه في حديثه هذا, لكن لما وجدناه توبع ووافقه غيره ولم ينفرد بالحديث زال ما عندنا من الخوف, وصار حديثه من هذه الحيثية صحيحًا أيضًا وارتفع إلى أعلى المراتب بعد ان كان في مرتبة دون المرتبة العليا, هنا نسميه صحيحًا أيضًا, بعض العلماء يقولون: نسمية "صحيحًا لغيره" تمييزًا بينه وبين الصحيح الأول الذي هو لذاته.

 لماذا؟ لأن الصحيح الأول إنما الصحة نشأت من ذات الرواية, بخلاف الصحيح الآخر فالصحة فيه نشأت من انضمام غيره إليه, فلم تعد الصحة نابعة من ذات الرواية, وإنما هي ناشئة عن انضمام روايات أخرى إلى روية هذا الراوي الذي يُحسَّن حديثه, فبمجموع تلك الروايات ارتقى الحديث إلى مرتبة الصحيح بعد أن كان في مرتبة أدنى

لكن هناك كلام آخر في تعريف الحديث الحسن لإمام آخر لا يقل منزلة عن الإمام الخطابي, ألا وهو الإمام أبو عيسى الترمذي -رحمه الله- صاحب الجامع, جامع الترمذي المعروف, هو نفسه تعرض أيضًا للحديث الحسن, وعرَّفه بتعريف آخر قد يختلف عن تعريف الإمام الخطابي, حيث قال في آخر كتابه الجامع, قال: "وما ذكرنا في هذا الكتاب حديث حسن, فإنما أردنا به حسن إسناده عندنا, كل حديث يُروى لا يكون في إسناده مَن يُتَّهم بالكذب, ولا يكون الحديث شاذًا, ويُروى من غير وجه نحو ذلك؛ فهو عندنا حديث حسن", كلام جميل.

الإمام الترمذي هنا في كتابه "الجامع" استعمل مصطلح الحسن بكثرة, ومع ذلك لم يتركنا هملًا؛ وإنما أراد أن يبين مراده من قوله "حسن" في هذا الكتاب "الجامع", فبيَّن لنا المعنى الذي قصده من قوله "حسن" في هذا الكتاب, وتضمن كلامه أن الحسن عنده لا بد أن يتصف بأوصاف ثلاثة, إذا وجدت في الحديث فهو حسن, فقال: "كل حديث يُروى لا يكون في إسناده مَن يتهم بالكذب" هذا أو وصف, أن يكون راويه خاليًا من التهمة بالكذب, وطبعًا ألا يكون كذابًا من باب أولى.

الوصف الآخر: ولا يكون الحديث شاذًا.

الوصف الثالث: وأن يُروى نحوه من غير وجه, يعني يكون له أكثر من إسناد.

الإمام الترمذي هنا كلامه حير كثيرًا من أهل العلم قديمًا وحديثًا, لأن كلامه بعض أهل العلم فهمه على أنه هو كمثل كلام الخطابي سواءًا بسواء, والاختلاف إنما هو في العبارة فقط, وإلا فمؤدى الكلامين واحد. لماذا؟

لأن الإمام الخطابي لما تعرض للراوي, قال ماذا؟ واشتهر رجاله.

فقال بعض أهل العلم: قول الترمذي "لا يكون إسناده من يتهم بالكذب" هو كمثل قول الخطابي: "واشتهر رجاله", أي عرفوا بغير الضعف, واشتهروا بغير الضعف, لأن قول اأمم الترمذي "لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب" يفهم منه ماذا؟ يفهم منه أن الرواي قد يكون ثقة, لأن الثقة ليس تهمًا بالكذب.

قد يكون صدوقًا, أي في منزلة مَن يُحسَّن حديثه, والصدوق ليس متهمًا بالكذب.

يُفهم منه أنه قد يكون ضعيفًا ضعفًا راجعًا إلى حفظه وضبطه لا إلى دينه وعدالته, وهذا أيضًا ليس متهمًا بالكذب, فهنا شابه كلام الترمذي في هذه الحيثية المتعلقة بوصف الراوي ما قال الخطابي مثله, حيث قال: "واشتهر رجاله".

أما ما يتعلق بالرواية, فالخطابي قال: "ما عرف مخرجه", وفسرنا عرفنا المخرج بما يتضمن أنه لا يكون خطأ ولا يكون شاذًا, ألم نقل هذا الكلام؟ فهو كمثل قول الترمذي -رحمه الله: "ولا يكون الحديث شاذًا", فالترمذي استعمل نفي الشذوذ, والخطاب استعمل إثبات صحة المخرج, وصحة المخرج تتنافى مع الشذوذ, فمؤدى الكلامين واحد, لأن الشاذ ليس معروف المخرج.

وقد اشترط الإمام الترمذي سلامة الحديث من كونه شاذًا, وعليه هو يشترط أن يكون مخرج الحديث معروفًا كما يُفهم ذلك من كلام الإمام الخطابي -عليه رحمة الله تعالى-

وأما قول الترمذي -رحمه الله تعالى: "وأن يُروى نحوه من غير وجه" فهذا تفسير لنفي الشذوذ, لأن الحديث إذا تعددت طرقه وكثرت أسانيده كان ذلك أدعى إلى نفي الشذوذ عنه, لأن الشذوذ إنما يقع في التفرد غالبًا, لأن الحديث إذا رواه العدد الكثير, فمن أين يأتيه الشذوذ؟! إنما يأتي الشذوذ والخطأ حيث يقع التفرد ممن لا يحتمل منه التفرد أو الخطأ ممن تفرد بالحديث. فبعض أهل العلم قال هذا الكلام, أن كلام الخطابي هو كلام الترمذي, الاختلاف بين الكلامين إنما هو في العبارة فحسب, وإلا فالعبارة واحدة.

بعض العلماء الآخرون قالوا: لا, كلام الإمام الخطابي يتناول نوعًا من أنواع الحسن, وكلام الإمام الترمذي -رحمه الله- يتناول نوعًا آخر. فكلام الخطابي يتناول الحسن الذي الحُسْن فيه نبع من ذات الرواية, فهي رواية إذا نظرنا إليها نظرة مجردة نحكم بحسنها, وهذا ما يسميه الحافظ ابن حجر وغيره بالحسن لذاته, لأن الحسْن نبع فيه من ذات الرواية.

أما الترمذي فهو ما تكلم عن هذا النوع, يتكلم عن حسن آخر, وهو ما يسمى أيضًا عند ابن حجر -رحمه الله- بالحسن لغيره -كما قلنا في الصحيح لذاته والصحيح لغيره- نقول أيضًا في الحسن لذاته والحسن لغيره.

فيقول: إن كلام الترمذي يتناول الراوي الضعيف الذي جاء بحديث سالم من الشذوذ, سالم من النكارة, سالم من الخطأ, وجاءت له روايات أخرى هذه الروايات انضمت إلى رواية ذلك الراوي الموصوف بالضعف لكنه ضعفه هين ليس متعلقًا بعدالته, فلا هو متهم بالكذب, ولا هو كذاب, وإنما ضعفه ناشئ عن سوء حفظه, أو ناشئ عن عدم اتصال الرواية لإرسال ونحوه, وجاءت رواية أخرى تقوي هذه الروياة, توافق هذه الرواية, فبانضمام تلك الرواية بعضها إلى بعض ترقَّى الحديث, بعد أن كان ظاهر الإسناد الضعف صار بانضمام هذه الرواية بعضها إلى بعض قد ارتفع إلى مرتبة الحجة فنقول: هو حسن, ولكننا نقول: هو حسن لغيره لا حسنًا لذاته.

فيرى هؤلاء العلماء أن الصحيح قسمان:

- صحيح لذاته        - وصحيح لغيره.

وأن الحسن أيضًا قسمان:

- حسن لذاته           - وحسن لغيره.

وينزلون كلام الخطابي على النوع الأول من الحسن الذي هو حسن لذاته, كلام الإمام الترمذي -عليه رحمة الله تعالى- على النوع الآخر من الحسن, وهو الحسن لغيره.

وعلى العموم هذا فهم صحيح, والفهم الأول أيضًا فهم صحيح.

 

فالخلاصة: أن الأحاديث المقبولة نوعان, كل نوع منهما مرتبتان. فالصحيح فيه مرتبة عليا ومرتبة دنيا, فيه صحيح لذاته وصحيح لغيره.

والحسن فيه حسن لذاته وحسن لغيره, فصارت هذه الأنواع, أو هذه التقسيمات ما هي إلا وسائل للوصول إلى كون الحديث من قسم مقبول, واضح هذا الكلام؟ يعني نحن نريد أن نعرف هذا الحديث أهو من المقبول أم ليس من المقبول؟ وإذا كان من المقبول أهو من أعلى مراتب القبول أم من أدناها؟

فكأن العلماء يقولون لك: إن الوصول إلى ذلك يكون بوسائل, فأحيانًا نصل إلى هذه النتيجة بالنظر في سند بعينه يتبين لنا أن هذا السند صحيح أو حسن, وقد يكون الوصول إلى هذه النتيجة بالاعتداد برواية متعددة لا برواية واحدة, فننظر في مجموع تلك الرويات فنصل إلى كون الحديث من المقبول, فنحكم بأنه من قسم الصحيح أو من قسم الحسن, فهي وسائل متعددة, لكن في النهاية تصب بنا إلى نتيجة واحدة, وهو أن الحديث من المقبول, وبحسب هذه الطرق التي نسلكها لمعرفة كون الحديث مقبولًا نعرف درجة هذا الحديث في القبول أيضًا, فنعرف أن الصحيح هناك مرتبة عليا ومرتبة دنيا, وأن الحسن له مرتبة عليا ومرتبة دنيا, والجميع يشملهم اسم القبول.

ونحن قلنا آنفًا: إن معرفة تلك المراتب مهم للغاية لأنه يعيننا على الترجيح بين الرويات التي ربما يكون ظاهرها التعارض إذا ما وقع ذلك في بعض الأحاديث ولم نستطع التوفيق والتأويل والجمع بينها بما يؤدي إلى قبولها, فنلجأ حينئذٍ إلى الترجيح, وإذا ما لجأنا إلى الترجيح فمعرفتنا بمنازل الروايات مراتبها يعيننا على معرفة الراجح من المرجوح. واضح هذا الكلام؟ هذا هو خلاصة الحديث عن الحديث الحسن, وإلا طبعًا هناك مباحث كثيرة في الحديث الحسن, لكننا -كما وعدناكم- نلتزم ألا نخرج حدود النظم اللهم إلا حيث تدعو إلى ذلك ضرورة.

يأتي بعد ذلك نوع آخر من أنواع الحديث, وهو في المقابل من هذين النوعين تمامًا, فإذا كان الصحيح والحسن داخلان في المقبول, فهناك القسم المقابل وهو المردود, وهو ماذا؟ المردود, وهو الذي نعبر عنه بالضعيف, تقول: هذا حديث ضعيف, فما هو الحديث الضعيف؟

 

ما معنى هذا الكلام؟ عرفنا الصحيح والحسن ومراتب وأقسام كل منهما, ونحن ندرس الصحيح والحسن فهمنا أن هناك مرتبة عليا ومرتبة دنيا للقبول, صح الكلام؟ وفهمنا أن الحسن أدنى من الصحيح, الحسن أدنى من الصحيح, وأن الحسن لغيره أدنى من الحس لذاته, إذن أدنى مراتب القبول ما هو؟ الحسن لغيره, وهو الحديث الضعيف الذي وجد فيه نوع من الاحتجاج به من ضعف بعض الرواة أو عدم اتصال لكن جاء روايات أخرى انضمت إلى تلك الروياة فأخذت بيدها وارتفعت بها إلى مصاف الحجة, ولكنه مع ذلك يظل في أدنى مراتب الاحتجاج.

إذن الحديث الذي لم يبلغ تلك المرتبة الدنيا, الذي لم يصل إلى أدنى مراتب القبول يندرج تحت المردود.

إذن: المردود هو الذي لم يصل إلى مرتبة الصحيح أم الحسن؟ الحسن, لأنه إذا لم يصل إلى مرتبة الحسن فبالضرورة لم يصل إلى مرتبة الصحيح, لأن الصحيح أعلى من الحسن بطبيعة الحال, فلهذا قال الناظم في تعريفه للحديث الضعيف

أي الذي لم يبلغ مرتبة الحسن, ولهذا لم يقل: عن مرتبة الصحيح, لأنه إذا لم يبلغ مرتبة الحسن فبالضرورة ومن باب أولى لم يبلغ مرتبة

الصحيح, وهذا من التعريفات الجامعة, لأنه إذا قال: أن الحديث الضعيف هو الذي لم يبلغ مرتبة الصحيح؛ لأوهمت العبارة أنه ربما يكون قد بلغ مرتبة الحسن, فيكون حينئذ من قسم ماذا؟ المقبول, لكن لما قال: إن الحديث الضعيف هو الذي لم يبلغ مرتبة الحسن؛ فهمنا أنه لم يدخل مجال القبول بتاتًا, لم يدخل مجال ماذا؟ القبول.

طيب.. لماذا لم يدخل مجال القبول؟ لماذ قصر عن مرتبة الحسن؟ لأنه وُجد فيه مانع من الاحتاج به, ولم نجد ما يدفع هذا المانع.

الحسن لغيره وُجد فيه مانع من الاحتجاج به أم لا؟ وجد أم لا؟ لكننا وجدنا ما يدفع هذا المانع ويأخذ بالحديث ويرقِّيه إلى مصافِّ الحجة, وسميناه من هذه الحيثية بالحسن لغيره, لكن الحديث الضعيف وُجد فيه مانع نعم, لكننا لم نجد ما يدفع ذلك.

إذن: إذا وُجد في الحديث راوٍ ضعيف ولم نجده قد تُوبع على روايته بل تفرد بها, فهذا يمنعنا من الاحتاجا بروايته.

إذا وُجد في الحديث إرسال أو عدم اتصال, ولم نجد ما يدفع هذا المانع من الاحتاج؛ فحينئذ يظل الحديث على ضعفه بخلاف ما إذا وجدنا ما يدفع ذلك السبب الذي يمنعنا من الاحتجاج بالحديث, فإنه حينئذ يرتقي إلى مرتبة الحسن لغيره.

 

يريد أن يشير إلى أن الضعيف أنواع, وهو أيضًا مراتب, كما أن المقبول مراتب فكذلك المردود مراتب, ما معنى هذا؟ تعالوا بنا ننظر..

الحديث المقبول, قلنا لا بد أن يُشترط فيه كم شرط؟ خمسة, كل شرط من هذه الشرائط إذا اختلَّ في الحديث تولَّد عنه نوع من أنواع الضعيف, سهلة.

كل شرط من هذه الشرائط إذا اختلَّ في الرواية ولم نجد ما يقويها أو يدفع ذلك السبب؛ يتولد عن ذلك نوع من أنواع الضعيف.

مثلًا: نحن اشترطنا في الحديث المقبول اتصال الإسناد, فإذا لم تصل الإسناد يتولد عن ذلك أنواع من أنواع الأحاديث الضعيفة التي سبب ضعفها عدم اتصال الإسناد فينتج عن ذلك الحديث المرسل, والحديث المنقطع, والحديث المعضل, والحديث المعلق, والحديث المدلس, والمرسل الخفي, ست أنواع تتولد عن ماذا؟ عدم الاتصال فقط,.

 

كثيرة, لأن سبب واحد من أسباب قبول الحديث إذا اختلّ؛ يتولد عنه أنواع متعددة من الأحدايث ماذا؟ الضعيفة.

إذا لم يتحقق في الراوي العدالة والضبط, إذا لم يتحقق في الرواية سلامة الحديث من الشذوذ والعلة؛ ينتج عن ذلك ماذا؟ أنواع من الأحاديث الضعيفة, عندنا الحديث المقلوب, الحديث المدرج, الحديث المصحَّف والمحرَّف, عندنا الحديث الشاذ, عندنا الحديث المنكر, عندنا الموضوع. عندنا الباطل, وهكذا..

ولهذا؛ العلماء يقولون: إن الضعيف يتنوع أنواعًا كثيرة بحسب ماذا؟ السبب الذي أوجب ضعف ماذا؟ الحديث, وهو أيضًا مراتب, فكما أن المقبول مراتب فكذلك المردود مراتب, فليس الحديث الذي فيه إرسال كالحديث الذي فيه إعضال, لأن الإرسال: أن يروي التابعي الحديث عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام-, التابعي: هو مَن أدرك الصحابي, لم يدرك رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-, إذن بينه وبين رسول الله واسطة أو كثر, فهذا نسميه حديث مرسل, والمرسل حديث مردود لا يُقبل لاحتمال أن يكون هذا التابعي بينه وبين رسول الله مع الصحابي الذي بينه وبين رسول الله تابعي آخر أو أكثر, لأن التابعين لا يروون عن الصحابة فقط, يروون عن الصحابة ويروون أيضًا عن ماذا؟ التابعين الآخرين.

فمثلًا الزهري, إذا قال: "قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام- قد يكون بينه وبين رسول الله تابعي وصحابي, أو تابعيان وصحابي, والتابعون فيهم الثقات وفيهم غير الثقات بخلاف الصحابة فهم جميع عدول -رضي الله عنهم جميعًا-

من أجل هذا كان الإسناد المرسل من قبيل الإسناد الذي لم يتصل والذي يفضي عدم اتصاله إلى عدم قبوله والاحتجاج به, فهو من قسم المردود, اللهم إلا أن تأتي رواية أخرى تقوي ذلك النقص الموجود في هذه الرواية, وهذه مسألة أخرى.

بخلاف الإعضال, فالمعضل لم يسقط واحد, سقط أكثر من واحد, ولا يتقيد برواية التابعي عن رسول الله؛ بل قد يقع في أي موضع من مواضع الإسناد, ويقد يكون الساقط في الرواية المعضلة كذابًا أو متهمًا بالكذب أو نحو ذلك, فالإعضال في الغالب أشد ضعفًا من المرسل, كما يقول الإمام الجوزقاني: "إن المعضل أشد ضعفًا من المنقطع, والمنقطع أشد ضعفًا من المرسل, والمرسل لا يحتج به".

وكذلك الحديث الذي فيه راوٍ سيئ الحفظ, هل هو كالحديث الذي يرويه راوٍ كذاب؟ نعم هذا لا يُحتجُّ به وهذا لا يُحتجُّ به, لكن هل ضعف هذا كضعف ذاك؟

هذا الراوي الذي سيئ الحفظ قد يصيب أحيانًا ويخطئ أخرى, وقد ننتفع بروايته حيث يوافقه عليها غيره كما قلنا, فيرتقي بحديثه إلى مرتبة الحس لغيره.

أما الكذاب فروايتها وجودها وعدمها سواء, كأنها لم تروَ أصلًا لأن الكذاب لا يؤخذ عنه لا قليل ولا كثير.

إذن: من أجل هذا عرفنا أن الضعيف أنواع, وعرفنا أيضًا أنه ماذا؟ مراتب, أنواع ومراتب.

نكتفي بهذا القدر هذه الليلة, ونعطيكم فسحة أكبر ووقت أطول في السؤال, لأني أعلم أن لديكم أسئلة مهم جدًا, وأيضًا هناك أسئلة جاءت من بعض طلبة العلم على موقع الأكاديمة على الإنترنت, سنتختار أيضًا بعض هذه الأسئلة, وهي ما يتناسب منها مع الموضوع الذي تناولناه في هذه المرة والمرتين السابقتين, وما بقي من أسئلة إن شاء الله تعالى ربما نتناولها في لقاءات أخرى حيث يكون لها مناسبة, وما يتبقى منها, أخذنا وعدًا من إدارة القناة أن يكون هناك بعد نهاية الدورة درس خاص بالإجابة على هذه الأسئلة, فمن كان لديه سؤال فليتفضل به.

{شيخنا حفظك الله. إذا كان الحديث له أكثر من إسناد هل يعني ذلك أنه له أكثر من مخرج؟ جزاكم الله خيرًا؟}.

الشيخ:

بارك الله فيك. أخونا يقول:إذا كان الحديث له أكثر من إسناد هل يعني ذلك أنه له أكثر من مخرج؟ هذا صحيح, من الممكن أن يكون الحديث له مخر ومخرجان وثلاثة فأكثر, ومن الممكن أن يكون له مخرج واحد وهذه الأسانيد الأخرى ليست صوابًا, ليس باللازم إذا تعددت أسانيد الحديث أن يكون كل إسناد منها يُعد مخرجًا على حدة لهذا الحديث, قد يكون كذلك, وقد لا يكون ذلك صوابًا وإنما هو راجع إلى خطأ من أخطأ من الرواة حيث روى الحديث بسند ليس هو من أسانيد ذلك الحديث, مفهوم؟

مثل ماذا؟ ذكرنا حديث الأعمال بالنيات, وذكرنا السند الصحيح له, والسند الذي خطَّأ فيه العلماء راويه, فهذا ادعى مخرجًا للحديث بخلاف المخرج الذي يُعرف لذلك الحديث, تعددت الأسانيد والمخرج واحد.

وعندنا أيضًا حديث يحيى بن أبي كثير الذي يرويه عن عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري عن أبي قتادة الأنصاري عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: «إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني», هذا الحديث حديث صحيح في الصحيحين, اتفق البخاري ومسلم على إخراجه في صحيحهما الذين هما من أصح الكتب المصنفة, فالحديث صحيح, صحيح بهذا السند الذي بين أيدينا وهو: يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن قتادة الأنصاري عن أبي قتادة الأنصاري عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, جاء رجل اسمه جرير بن حازم, وهو صدوق لكن له أخطاء يعرفها العلماء, فإذا به يروي الحديث نفسه عن المتن, ولكن جاء له بسند آخر, فقال: حدثنا ثابت البناني -ثابت بن أسلم البناني- عن أنس بن مالك عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: «إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني», حدث في هذا الحديث كالذي حدث في حديث «الأعمال بالنيات», ماذا فعل الراوي؟ عمِدَ إلى متنٍ معروف بسند معروف؛ فإذا به يروي المتن نفسه لكن بسند آخر, العلماء قالوا: هذا غلط, هذا المتن إنما يصح من حديث أبي قتادة الأنصاري, ليس هو من حديث أنس بن مالك ولا من حديث ثابت بن أسلم البناني, أخطأ جرير بن حازم حيث روى هذا الحديث بهذا الإسناد الذي ادعاه.

إذن هو زعم أن للحديث إسنادًا آخر, وأن له مخرجًا آخر, هل قُبِلَ ذلك منه العلماء؟ لم يقبلوا ذلك منه.

إذن: ليس بالضرورة إذا ما تعددت الأسانيد تتعدد المخارج -أعني المخارج الصحيحة- وإلا فهو ادعى مخرجًا ولكن عند العلماء مخرج غير صحيح, لكن قد يكون يكون الحديث, بعض الأحاديث الصحيحة يُروى بأكثر من إسناد, وهذا موجود مثل حديث «إنما الأعمال بالنيات», مثل حديث «من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار» يُروى بأسانيد كثيرة, وكثير منها صحيح عند علماء الحديث, حتى أن بعض أهل العلم قال: إن هذا الحديث من المتواتر لكثرة من رواه من الرواة.

فهناك أحاديث صحيحة لها مخارج متعددة, وكل إسناد منها يمثل مخرجٍ على حدة, وتلك المخارج كلها صحيحة عند أهل العلم, لكن ليس بالضرورة أن يكون ذلك في جميع الأحاديث, فبعضها ادُّعيَ عليها أو ادُّعيَ لها مخارج هي عند نقاد الحديث وحفَّاظه من الأخطاء التي وقع فيها بعض الرواة.

 

{جزاكم الله عنا خيرًا ونفع الله بكم, وأحسن الله إليكم. هناك بعضًا من المشتغلين بالعلم مَن ينفي تقوية الأحاديث بالأسانيد المتعددة, فما رأي فضيلتكم في هذا؟ وجزاكم الله خيرًا}.

الشيخ:

 

بارك الله فيك. نحن ذكرنا في كلامنا السابق أن هناك من الأحاديث التي لها أسانيد لا ترقى للحجة ثم ترتقي بانضمام الروايت الأخرى لها, واضح؟ لكن هذا لا يعني أن أي رواية يُنتفع بها في تقوية الأحاديث التي ظاهرها الضعف, يعني الرواية التي ثبت لدى نقَّاد الحديث أنها خطأ, وأنها شاذة, وأنها منكرة, وأن الراوي ركَّبَ إسنادًا على متن, أو دخل عليه حديث في حديث؛ هل هذا ينفع في تقوية الأحاديث والارتفاع بها إلى مصافِّ الحجة؟ لا, يعني حديث «إنما الأعمال بالنيات» رغم أنه حديث صحيح؛ لم يرتضي العلماء إسنادًا آخر له رغم أن أصل الحديث ماذا؟ صحيح, وحكموا بهذا السند الآخر بأنه إسناد ماذا؟ خطأ وباطل ولا أصل له.

كذلك أيضًا في الأحاديث التي أسانيدها ضعيفة إنما نقوِّها بالروايات التي سلمت من الشذوذ والنكارة, واضح؟

أما الروايات المنكرة التي ثبت لدى نقاد الحديث أنها أخطاء, وأن الرواي غلط في أسانيدها, وركب متنًا على إسنادٍ أو إسنادًا على متنٍ؛ فهذا لا يُنتفع بها في تقوية الأحاديث.

فإن كان الذي تنسب إليه هذه المقولة يقصد نفي تقوية الأحاديث بأي صور الرواية؛ فهذا طبعًا نفيٌ خاطئ, أما إن كان يقصد أن الأحاديث الضعيفة إنما تترقى وتقوى بما هو مثلها في الضعف, يعني ضعفها خفيف وليس من قبيل الشاذ والمنكر؛ فهذا كلام منضبط يستقيم على كلام أهل العلم -عليهم رحمة الله-

فهذا الترمذي, الإمام الترمذي -رحمه الله- اشترط في تقوية الحديث أن يكون سالمًا من الشذوذ.

وكذلك نقاد الحديث كابن الصلاح وغيره من نقاد الحديث ذكروا أن الشاذ والمنكر لا يصلح في باب التقوية.

وكذلك الإمام أحمد بن حنبل -عليه رحمة الله تعالى- حيث قال في مقولته المعروفة المشهورة, قال: "الأحاديث عن الضعفاء قد يُحتاج إليها في وقت -يعني في باب التقوية- والمنكر أبد منكر", فالمنكر لا ينفع في التقوية لأنه من الضعيف جدًا الذي لا يرقى لأن يقوم بنفسه, فكيف يقوم بغيره أو يقوم غيره به؟!! مفهوم هذا الكلام؟ تفضل..

 

{شيخنا -حفظكم الله- هل يُعدُّ الإمام الترمذي من المتساهلين في التصحيح والتحسين؟}.

 

الشيخ:

هذا سؤال مهم جدًا, طبعًا هذا الأمر حتى نجيب عليه نحتاج إلى معرفة ضابط التساهل وعدم التساهل, كثير من أهل العلم مَن يوصفون بأنهم عندهم تساهل في الأحكام على الأحاديث أو الأحكام على الرواة, فنجد مَن يقول مثلًا: العالم الفلاني متساهل, والعالم الفلاني متشدد. واضح؟

سواء في كلامه في الأسانيد والمتون, أو في كلامه في رواة الأحاديث بالجرح والتعديل؛ بل من العلماء مَن قيل فيه إنه متشدد وإنه متساهل, كالإمام ابن حبان البستي -رحمه الله تعالى- فبعض أهل العلم يصفه بالتساهل, وبعض أهل العلم الآخرين يصفه بالتشدد, فما هو ضابط التشدد وما هو ضابط التساهل؟ فلا بد من فهم الضوابط, وعلى ضوء ذلك نعرف إن كان هذا العالم أو ذاك يستحق أن يوصف بالتشدد أو يوصف بالتساهل.

هذا يرجع إلى ماذا؟ يرجع أولًا إلى فهم مصطلحات العالم وفهم منهجهه في الكلام في العلم, فقد يكون عالم يستعمل مصطلحات خفيفة للتعبير عن معاني شديدة كما يقع في ذلك الإمام البخاري -عليه رحمة الله تعالى- فلا يقال حينئذٍ أنه متساهل.

يعني مثلًا الإمام البخاري كانت عبارات في الكلام في الرواة لطيفة جدًا, وكان يتجنب الأوصاف الشديدة, يعني يتجنب أن يقول: فلان كذاب, أو وضَّاع, أو نحو هذه العبارات.

وإنما غاية ما هنالك عندما تستقرئ صنيع البخاري -عليه رحمة الله- يقول: فلان ليس بالقوي, أو ليس عندهم بالقوي, أو منكر الحديث, أو حديثه منكر, أو لا يصح حديثه.

وقد يقول مثل هذه العبارات في رواة هم عند غير البخاري رواة متوغلين في الضعف, فهل يقال إن البخاري متساهل؟ لا, وإنما إذا عرفنا اصطلاح الإمام نعرف أنه يستعمل عبارت معينة ظاهرها أنها تعبر عن معاني خفيفة بالتعبير عن معاني شديدة, لأنه من منهجه -رحمه الله تعالى- أنه كان يقول: "أرجو أن ألقى الله -عز وجل- ولا يسألني أني اغتبتُ أحدًا من عباده", فكان يتجنب العبارات الشديدة في وصف الرواة, ويحكم على رواياتهم أكثر من حكمه عليهم أنفسهم, وإذا احتاج أن يحكم على راوٍ بكذب أو وضعٍ أو نحو ذلك؛ يعزو القول إلى مَن سبقه من أهل العلم.

فيقول مثلًا: "فلان ليس بالقوي عندهم", و"ليس بالقوي" هي عند غير البخاري من ألفاظ الجرح الخفيفة, لكن عند البخاري هي من ألفاظ الجرح الشديدة, وإذا استقرأت الرواة الذين قال فيهم البخاري: "ليس بالقوي عندهم" تجد أن العلماء قد تكلموا في هؤلاء الرواة كلامًا شديدًا جدًا من وصف بالكذب واتهام به. فلا يقال إن البخاري حينئذ متساهل, لأن له ماذا؟ اصطلاح, وهو نفسه القائل: "كل مَن قلتُ فيه: منكر الحديث؛ فلا تحل الرواية عنهم", فعرفنا من اصطلاحه أن هذه العابرة "منكر الحديث" غيره يستعملها في الضعف الخفيف, بينما البخاري يستعملها في الضعف الشديد. واضح؟

ومثل الإما الحربي -عليه رحمة الله- تجده يصف الراوي المتوغل في الضعف بقوله: "فلان أوثق منه", أو "غيره أوثق منه", هذه البعارة تشعرك بان هذا الرواي فيه قدر من الثقة وإن كان غيره أو ثق منه, ولكن العلماء كابن حجر وغيره استقرؤوا هذه العبارة للإمام الحربي فتبيَّن لهم أنه يقصد بها التضعيف الشديد.

إذن: لكي أحكم على راوٍ بأنه متساهل أو متشدد لا بد أن يكون دارسًا ومتفهمًا لمصطلحاته. هذا من جانب.

من جانب آخر: لا بد أن أكون عارفًا ومدركًا لمنهجه ومذهبه في الحكم على الرواة والروايات, يعني مثلًا الإمام البخاري -عليه رحمة الله- عندما ننظر إلى صحيحه فقد اختار في صحيحه أصح الصحيح, وهو نفسه -أعني البخاري رحمه الله- قد صحح أحاديث وصرَّح بكونها صححية ولم يدخلها في كتابه "الصحيح", ولما نظرنا في تلك الأحاديث, أو في بعض ما صححه البخاري خارج الصحيح وجدنا أن هذه الأحاديث لا ترقى لمرتبة أحاديث كتابه "الصحيح"؛ بل منها ما يضعفه بعض أهل العلم, مثل حديث التكبير سبعًا وخمسًا في صلاة العيد, وهذا الحديث البخاري قال: هو عندي صحيح. وهناك من العلماء مَن يضعفه, واضح؟ فيما حكاه عنه الترمذي في كتاب "العلل الكبير".

فهل يقال: إن البخاري متناقض؟!! أو أن أحكامه في الصحيح تختلف عن أحكامه في غير الصحيح؟!! لا, البخاري يعرف أن الأحاديث التي يُحتجُّ بها لها نطاق, كما قلنا: "صحيح لذاته, أو صحيح لغيره, أو حسن لذاته, أو حسن لغيره", لكنه اختار لكتابه "الصحيح" أعلى مراتب الصحة, وهناك أحاديث لم تبلغ مرتبة أحاديثه التي أدخلها في كتابه الصحيح, وهو أيضًا يسمها صحاح, ولكنه يتعقد أنها دون شرطه في كتابه "الصحيح", فصححها ولم يدخلها في كتابه الصحيح.

فالصحيح عنده حيث أطلقه يشمل المقبول مهما كان في أعلى درجات القبول أو في أدنى مراتب القبول, وهذا صنيع الترمذي أيضًا, فيأتي الإمام الترمذي مثلًا يقول: هذا حديث صحيح. ونحن ننظر في السند نجده فيه ضعف, أو يقول: حديث حسن. ونحن ننظر في السند فنجده فيه ضعف, وإنما الإمام الترمذي حسنه أو صححه باعتبارات أخرى تختلف عن ظاهر تلك الرواية من حيث النظر في الإسناد, بمعنى أنه يعلم أن هذا الحديث له من الشواهد ما له, له من الرويات الأخرى التي تقويه ما له, وهو كثيرًا ما يشير إلى ذلك في الباب بقوله: "وفي الباب عن فلان وفلان وفلان" فكأنه وصف الحديث بالحسن لا بالنظر إلى إسناد الرواية مجردًا, وإنما باعتبار أحاديث الباب كلها, فنظر في مجموع ذلك فرأى أن هذا حديث حسن أو صحيح باعتبار ما انضمَّ إليه من أحاديث الباب.

فالحسْن والصحة عنده معناهما أوسع من معنى الصحة التي مثلًا نجدها في صحيح الإمام البخاري -عليه رحمة الله- وإلا لو كانت الصحة عند البخاري مثلًا ليست إلا بالمعنى الذي اختاره لكتابه الصحيح؛ لكان تصحيح البخاري -عليه رحمة الله تعالى- لأحاديث أخرى في خارج كتابه "الصحيح" يُعدُّ ذلك من تساهل البخاري, ونحن نجد كثيرا من الأحاديث التي أنكِرَت على الترمذي, وأنكر عليه تصحيحها أو تحسينها قد سبقه إلى هذه الأحكام شيخه الإمام البخار -عليه رحمة الله تعالى- في غير الصحيح.

فإذن: لا بد من فهم هذا الأمر على هذا النطاق, فإذا فهمناه كذلك؛ فالترمذي بهذا المعنى ليس متساهلًا, لكن شرطه أوسع من شرط غيره, واضح؟

فنقول: إنه شرطه أخف وقد وفَّى به, فلا يُقال من هذه الحيثية إنه ماذا؟ متساهل, المتساهل مَن وضع شرطًا ولم يلتزم به, أما مَن وضع شرطًا ولو فيه توسعٌ والتزم به فالنقاش يكون في شرطه لا في أحكامه الجزئية. تفضل..

 

{أحسن الله إليكم, ذكرتم أن الحديث الضعيف لا يرتقي إلى مرتبة الحسن لغيره إلا إذا تقوَّى من طرق أخرى, هل يشترط عدد معين في هذه الطرق أم لا يشترط؟}.

لا يشترط عدد معين, قد يتقوَّى حديث بإسناد واحد, وقد لا يتقوَّى إلا بأكثر من إسناد, كل حديث له بحث خاص.

 

الوقت أزف, نكتفي بهذا القدر, ونعتذر للإخوة الذين أرسلوا على الإيميل, إن شاء الله تعالى لهم النصيب الأوفر -بإذن الله تعالى- في اللقاء القادم.

 

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك, والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

 

Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :