Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
albasseira.overblog.com

un blog qui traite des sujets sur l'islam

رسالة في معنى كون الرب عادلا وفي تنزهه عن الظلم


قاعدة في معنى كون الرب عادلا وفي تنزهه عن الظلموفي إثبات عدله وإحسانهتأليف شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية مما ألفه في محبسه الأخير بالقلعة بدمشق قدس الله روحهبسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعينالحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله أجميعن وسلم تسليمافصلاتفق المسلمون وسائر أهل الملل على أن الله تعالى عدل قائم بالقسط لا يظلم شيئا بل هو منزه عن الظلمتنازع طوائف المسلمين في معنى الظلم الذي ينزه الله عنهثم لما خاضوا في القدر تنازعوا في معنى كونه عدلا في الظلم الذي هو منزه عنهمقالة الجهمية والأشاعرةفقالت طائفة الظلم ليس بممكن الوجود بل كل ممكن إذا قدر وجوده منه فإنه عدل والظلم هو الممتنع مثل الجمع بين الضدين وكون الشيء موجودا معدوما فإن الظلم إما التصرف في ملك الغير وكل ما سواه ملكه وإما مخالفة الآمر الذي تجب طاعته وليس فوق الله تعالى آمر تجب عليه طاعتهوهؤلاء يقولون مهما تصور وجوده وقدر وجوده فهو عدل وإذا قالوا كل نعمة منه فضل وكل نقمة منه عدل فهذا أمر أوهم
وهذا قول المجبرة مثل جهم ومن اتبعه وهو قول الأشعري وأمثاله من أهل الكلام وقول من وافقهم من الفقهاء وأهل الحديث والصوفيةوقد روى عن بعض المتقدمين كلمات مطلقة تشبه هذا المذهب مثل قول إياس بن معاوية ما ناظرت بعقلي كله إلا القدرية قلت لهم ما الظلم قالوا أن تأخذ ما ليس لك قلت فلله كل شيء ومثل قول أبي الأسود لعمران بن حصين لما سأله فقال عمران أرأيت ما يكدح الناس اليوم ويعملون فيه أشيء قضى عليهم ومضى من قدر قد سبق أو فيما يستقبلون فيما أتاهم به نبيهم فاتخذت به عليهم الحجة قال قلت بل شيء قد قضى عليهم ومضى عليهم قال فهل يكون ذلك ظلما قال ففزعت من ذلك فزعا شديدا وقلت له إنه ليس شيء إلا وهو خلق الله وملك يده ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون فقال سددك الله إني والله ما سألتك إلا لأحرز عقلكوهذا قول كثير من أصحاب مالك والشافعي وأحمد كالقاضي أبي يعلى
وأتباعه وأبي المعالي الجويني وأتباعه وأبي الوليد الباجي وأتباعه وغيرهممقالة المعتزلةوالقول الثاني أنه عدل لا يظلم لأنه لم يرد وجود شيء من الذنوب لا الكفر ولا الفسوق ولا العصيان بل العباد فعلوا ذلك بغير مشيئته كما فعلوه عاصين لأمره وهو لم يخلق شيئا من أفعال العباد لا خيرا ولا شرا بل هم أحدثوا أفعالهم فلما أحدثوا معاصيهم استحقوا العقوبة عليها فعاقبهم بأفعالهم لم يظلمهمهذا قول القدرية من المعتزلة وغيرهم وهؤلاء عندهم لا يتم تنزيهه عن الظلم إن لم يجعل غير خالق لشيء من أفعال العباد بل ولا قادر على ذلك وإن لم يجعل غير شاء لجميع الكائنات بل يشاء ما لا يكون ويكون ما لا يشاء إذ المشيئة عندهم بمعنى الأمروهؤلاء والذين قبلهم يتناقضون تناقضا عظيما ولكن من الطائفتين مباحث ومصنفات في الرد على الأخرى وكل من الطائفتين تسمى الأخرى القدرية وقد روى عن طائفة من التابعين موافقة هؤلاءمقالة أهل السنةوالقول الثالث أن الظلم وضع الشيء في غير موضعه والعدل وضع كل شيء في موضعه وهو سبحانه حكم عدل يضع الأشياء مواضعها ولا
يضع شيئا إلا في موضعه الذي يناسبه وتقتضيه الحكمة والعدل ولا يفرق بين متماثلين ولا يسوي بين مختلفين ولا يعاقب إلا من يتسحق العقوبة فيضعها موضعها لما في ذلك من الحكمة والعدلوأما أهل البر والتقوى فلا يعاقبهم ألبتة قال تعالى أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون سورة القلم 35 36 وقال تعالى أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار سورة ص 28 وقال تعالى أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات الآية سورة الجاثية 21قال أبو بكر بن الأنباري الظلم وضع الشيء في غير موضعه يقال ظلم الرجل سقاءه إذا سقا منه قبل أن يخرج زبده قال الشاعروصاحب صدق لم تنلني شكاته ... ظلمت وفي ظلمي له عامدا أجرأراد بالصاحب وطب اللبن وظلمه إياه أن يسقيه قبل أن يخرج زبده والعرب تقول هو أظلم من حية لأنها تأتي الحفر الذي لم تحفره فتسكنه ويقال قد ظلم الماء الوادي إذا وصل منه إلى مكان لم يكن يصل إليه فيما مضى ذكر ذلك أبو الفرج وكذلك قال البغوي أصل الظلم وضع
الشيء في غير موضعه وكذلك ذكر غير واحد قالوا والعرب تقول من أشبه أباه فما ظلم أي ما وضع الشبه في غير موضعهوهذا الأصل وهو عدل الرب يتعلق بجميع أنواع العلم والدين فإن جميع أفعال الرب ومخلوقاته داخلة في ذلك وكذلك أقواله وشرائعه كتبه المنزلة وما يدخل في ذلك من مسائل المبدأ والمعاد ومسائل النبوات وآياتهم والنواب والعقاب ومسائل التعديل والتجوير وغير ذلك وهذه الأمور مما خاض فيه جميع الأمم كما قد بسط في مواضعوأهل الملل كلهم يقرون بعدله لأن الكتب الإلهية نطقت بعدله وأنه قائم بالقسط وأنه لا يظلم الناس مثقال ذرة لكن كثير من الناس في نفسه ضغن من ذلك وقد يقوله بلسانه ويعرض به في نظمه ونثره وهؤلاء أكثر رما يكونون في المجبرة الذين لا يجعلون العدل قسيما لظلم ممكن لا يفعله بل يقولون الظلم ممتنع ويجوزون تعذيب الأطفال وغير الأطفال بلا ذنب أصلا وأن يخلق خلقا يعذبهم بالنار أبدا لا لحكمة أصلا ويرى أحدهم أنه خلق فيه الذنوب وعذب بالنار لا لحكمة ولا لرعاية عدل فتفيض نفوسهم إذا وقعت منهم الذنوب وأصيبوا بعقوباتها بأقوال يكونون فيها خصماء الله تعالى وقد وقع من هذا قطعة في كلام طائفة من الشيوخ وأهل الكلام ليس هذا موضع حكاية أعيانهموما ذكرناه من الأقوال الثلاثة نضبط أصول الناس فيه ونبين أن القول الثالث هو الصواب وبه يتبين أن كل ما يفعله الرب فهو عدل وأنه لا يضع
الأشياء في غير رموضعها فلا يظلم مثقال ذرة ولا يجزى أحدا إلا بذنبه ولا يخاف أحد ظلما ولا هضما لا يهضم من حسناته ولا يظلم فيزاد عليه في سيئاته لا من سيئات غيره ولا من غيرها بل من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وأنه لا تزر وازرة وزر أخرى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى أي لا يملك ذلك ولا يستحقه وإن كان قد يحصل له نفع بفضل الله ورحمته وبدعاء غيره وعمله فذاك قد عرف أن الله يرحم كثيرا من الناس من غير جهة عمله لكنه ليس له إلا ما سعى قال الله تعالى أمل لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى ألا تزر وازرة وزر أخرى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى سورة النجم 36 41 وقوله أم لم ينبأ بما في صحف موسى يقتضي أن المنبأ بذلك يجب عليه تصديق ذلك والإيمان به فكان هذا مما أخبر به محمد صلى الله عليه وسلم مصدقا لإبراهيم وموسى كما قال في آخر سبح إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى سورة الأعلى 18 19فصلومما يتبين عدل الرب وإحسانه وأن الخير بيديه والشر ليس إليه كما كان عليه السلام يثني على ربه بذلك في مناجاته له في دعاء الإستفتاح
وأنه سبحانه لا يظلم مثقال ذرة بل مع غاية عدله فهو أرحم الراحمين وهو أرحم من الوالدة بولدها كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح وهو سبحانه أحكم الحاكمين كما قال نوح في مناجاته وأنت أحكم الحاكمين سورة هود 45 وأن الظلم قد ذكرنا في غير موضع أن للناس في تفسيره ثلاثة أقوال قيل هو التصرف في ملك الغير بغير إذنه أو مخالفة الآمر الذي تجب طاعته وكلاهما منتف في حق الله تعالى وهذا تفسير المجبرة القدرية من الجهمية وغيرهم وكثير ممن ينتسب إلى السنة وهو تفسير الأشعري وأصحابه ومن وافقهم كالقاضي أبي يعلى وأتباعه وأبي الفرج ابن الجوزي وغيرهموالثاني أنه إضرار غير مستحق وهذا أيضا منتف عن الله تعالى وهذا تفسير المعتزلة وغيرهموهؤلاء يقولون لو قدر الذنوب وعذب عليها لكان إضرار غير مستحق والله منزه عنه وأولئك يقولون الظلم ممتنع لذاته غير ممكن ولا مقدور بل كل ما يمكن فهو عدل غير ظلم وإذا عذب جميع الخلق بلا
ذنب أصلا لم يكن ظلما عند هؤلاء وإذا فعل ما يشاء بمقتضى حكمته وقدرته كان ظلما عند أولئك فإنهم يجعلون ظلمه من جنس ظلم العباد وعدله من جنس عدلهم وهم مشبهة الأفعالوالسيد إذا ترك مماليكه يظلمون ويفسدون مع قدرته على منعهم كان ظالما وإذا كان قد أمرهم ونهاهم وهو يعلم أنهم يعصونه وهو قادر على منعهم كان ظالما وإذا قال مقصودي أن أعرضهم لثواب الطاعة ولذلك اقتنيتهم وقد علم أنهم لا يطيعونه كان سفيها ظالما وهم يقولون إن الرب خلق الخلق وليس مراده إلا أن ينفعهم وأمرهم وليس مراده إلا نفعهم بالثواب مع علمه أنهم يعصونه ولا ينتفعونولهذا طائفة منهم نفت علمه وآخرون قالوا ما يمكنه أن يجعلهم مطيعين وهو قول جمهورهم فنفوا قدرته وإن أثبتوه عالما قادرا ولم يفعل ما أراده من الخير جعلوه غير حكيم ولا رحيم بل ولا عادلوأما الطائفة الأخرى فهم معطلة في الأفعال كما أن أولئك مشبهة الأفعال فإنهم يعطلون فعل العبد ويقولون ليس بفاعل ولا قادر على الفعل ولا له قدرة مؤثرة في المقدور وأما الرب فيقولون خلق ما خلق لا لحكمة أصلا فعطلوا حكمته وقال إنه يجوز أن يعذب جميع الخلق بلا ذنب فعطلوا عدله والعدل هو فعله وهو سبحانه قائم بالقسط فمن نفى عدله وحكمته فإما أن ينفي فعله وإما أن يصفه بضد ذلك من الظلم والسفه كما أن الكلام على الطائفتين في غير هذا الموضع
والصواب القول الثالث وهو أن الظلم وضع الأشياء في غير مواضعها وكذلك ذكره أبو بكر بن الأنباري وغيره من أهل اللغة وذكروا على ذلك عدة شواهد كما قد بسط في غير هذا الموضعوحينئذ فليس في الوجود ظلم من الله سبحانه بل قد وضع كل شيء موضعه مع قدرته على أن يفعل خلاف ذلك فهو سبحانه يفعل باختياره ومشيئته ويستحق الحمد والثناء على أن يعدل ولا يظلم خلاف قول المجبرة الذين يقولون لا يقدر على الظلم وقد وافقهم بعض المعتزلة كالنظام لكن الظلم عنده غير الظلم عندهم فأولئك يقولون الظلم هو الممتنع لذاته وهذا يقول هو ممكن لكن لا يقدر عليه والقدرية النفاة يقولون ليس في الوجود ظلم من الله لأنه عندهم لم يخلق شيئا من أفعال العباد ولا يقدر على ذلك فما نزهوه عن الظلم إلا بسلبه القدرة وخلق كل شيء كما أن أولئك ما أثبتوا قدرته وخلقه كل شيء حتى قالوا إنه لا ينزه أن يفعل ما يمكن كتعذيب البراء بلا ذنب فأولئك أثبتوا له حمدا بلا ملك وهؤلاء أثبتوا له ملكا بلا حمد وأهل السنة أثبتوا ما أثبته لنفسه له الملك والحمد فهو على كل شيء قدير وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وهو خالق كل شيء وهو عادل في كل ما خلقه واضع للأشياء مواضعها وهو قادر على أن يظلم لكنه سبحانه منزه عن ذلك لا يفعله لأنه السلام القدوس المستحق للتنزيه عن السوء وهو سبحانه سبوح قدوس يسبح له ما في السماوات والأرض وسبحان الله كلمة كما قال ميمون بن مهران هي كلمة يعظم بها الرب ويحاشى بها من السوء
وكذلك قال ابن عباس وغير واحد من السلف إنها تنزيه الله من السوء وقال قتادة في اسمه المتكبر إنه الذي تكبر عن السوء وعنه أيضا إنه الذي تكبر عن السيئاتفهو سبحانه منزه عن فعل القبائح لا يفعل السوء ولا السيئات مع أنه سبحانه خالق كل شيء أفعال العباد وغيرها والعبد إذا فعل القبيح المنهي عنه كان قد فعل سوءا وظلما وقبيحا وشرا والرب قد جعله فاعلا لذلك وذلك منه سبحانه عدل وحكمة صواب ووضع للأشياء مواضعها فخلقه سبحانه لما فيه نقص أو عيب للحكمة التي خلقه لها هو محمود عليه وهو منه عدل وحكمة وصواب وإن كان في المخلوق عيبا ومثل هذا مفعول في الفاعلين المخلوقين فإن الصانع إذا أخذ الخشبة المعوجة والحجر الردى واللبنة الناقصة فوضعها في موضع يليق بها ويناسبها كان ذلك منه عدلا واستقامة وصوابا وهو محمود وإن كان في تلك عوج وعيب هي به مذمومه مذمومة ومن أخذ الخبائث فجعلها في المحل الذي يليق بها كان ذلك حكمة وعدلا وإنما السفه والظلم أن يضعها في غير موضعها ومن وضع العمامة على الرأس والنعلين في الرجلين فقد وضع كل شيء موضعه ولم يظلم النعلين إذ هذا محلهما المناسب لهما فهو سبحانه لا يضع شيئا إلا موضعه فلا يكون إلا عدلا ولا يفعل إلا خيرا فلا يكون إلا محسنا جوادا رحيما وهو سبحانه له الخلق والأمر فكما أنه في أمره لا يأمر إلا بأرجح الأمرين ويأمر بتحصيل المصالح وتكميلها وبتعطيل المفاسد وتقليلها وإذا تعارض امران رجح أحسنهما وليس في الشريعة أمر بفعل إلا ووجوده للمأمور خير من عدمه ولا نهي عن فعل إلا وعدمه خير من وجوده وهو فيما يأمر به قد أراده إرادة دينية شرعية وأحبه ورضيه فلا يحب ويرضى شيئا إلا ووجوده خير من عدمه ولهذا أمر عباده أن يأخذوا
بأحسن ما أنزل إليهم من ربهم فإن الأحسن هو المأمور به وهو خير من المنهي عنهالخير بيديه سبحانه والشر ليس إليهكذلك هو سبحانه في خلقه وفعله فما أراد أن يخلقه وبفعله كان أن يخلقه ويفعله خيرا من أن لا يخلقه ويفعله وما لم يرد أن يخلقه ويفعله كان أن لا يخلقه ويفعله خيرا من أن يخلقه ويفعله فهو لا يفعل إلا الخير وهو ما وجوده خير من عدمه فكل ما كان عدمه خيرا من وجوده فوجوده شر فهو لا يفعله بل هو منزه عنه والشر ليس إليه فالشر وهو ما كان وجوده شرا من عدمه ليس إليه إذ كان هذا مستحقا للعدم لا يشاؤه ولا يخلقه والمعدوم لا يضاف إلى فاعل فليس إليه ولكن الخير بيديه وهو ما كان وجوده خيرا من عدمهالتعليق على قول بعضهم: الخير كله في الوجود والشر كله في العدمومن الناس من يقول الخير كله في الوجود والشر كله في العدم والوجود خير روالشر المحض لا يكون إلا معدوما وهذا لفظ مجمل فإذا أريد بذلك أن كل ما خلقه الله وأوجده ففيه الخير ووجوده خير من عدمه فهذا صحيح وكذلك ما لم يخلقه ولم يشأه وهو المعدوم الباقي على عدمه لا خير فيه إذ لو كان فيه خير لفعله سبحانه فإنه سبحانه بيده الخير فالشر العدمي هو عدم الخير لا أن في العدم شرا وجوديا وأما إذا أريد أن كل ما يقدر وجوده فوجوده خير وكل ما يقدر عدمه فعدمه شر فليس بصحيح بل من الأشياء ما وجوده شر من عدمه ولكن هذا لا يخلقه الرب فيبقى معدوما وعدمه خير فهذا خير من هذا العدم بمعنى أن عدمه خير رمن وجوده إذ كان وجوده فيه ضرر راجح وعدم الضرر الراجح خير فهو خير عدمي في العدم
إذ العدم لا يكون فيه وجود فالشر ليس إليه وهو ما كان وجوده شرا من عدمه فإنه لا يخلق هذا وما لم يخلقه فإنه ليس إليه وكل ما خلقه فوجوده خير من عدمه وهو سبحانه بيده الخير وذلك الذي وجوده شر من عدمه فإنه سبحانه يدفعه ويمنعه أن يكون مع القيام المقتضي له كما قال تعالى إن الله يدافع عن الذين آمنوا سورة الحج 38 والله يعصمك من الناس سورة المائدة 67 له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله سورة الرعد 11 وهو يجير ولا يجار عليه سورة المؤمنون 88فدفعه الشر الذي تريده النفوس الشريرة هو من الخير وهو بيديه ولو مكن تلك النفوس لفعلته فهو سبحانه لا يمكنها بل يمنعها إذا أرادته مع أنها لو خليت لفعلته فهو تارة بمنع الشر بإزالة سببه ومقتضيه وتارة يخلق ما يضاده وينافيه وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون سورة النحل 53وقول القائل خير وشر أي هذا خير من هذا وهذا شر من هذا ولهذا غالب استعمال هذين الإسمين كذلك كقوله آلله خير أما يشركون سورة النمل 59 أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا سورة الفرقان 24 وذروا البيع ذلكم خير لكم سورة الجمعة 9
وقالت السحرة والله خير وأبقى سورة طه 73 وقال قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل سورة المائدة 60 وقال يوسف أنتم شر مكانا سورة يوسف 77وقال حسان* فشركما لخيركما الفداء *الخير والشر درجاتفالخير ما كان خيرا من غيره والشر ما كان شرا من غيره والخير والشر درجات ولهذا قال تعالى لما ذكر أهل الجنة وأهل النار قال ولكل درجات مما عملوا سورة الأنعام 132 وقال تعالى أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير هم درجات عند الله سورة آل عمران 162 163 وكذلك ذكر تعالى في الأنعام والأحقاف بعد ذكر الطائفتينولهذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم درجات الجنة تذهب علوا ودرجات النار تذهب سفولا فدرجات الجنة كلها فيها النعيم وبعضها خير من بعض ودرجات النار كلها فيها العذاب وبعضها شر من بعض
وإذا قيل إن الله سبحانه هو خالق الخير والشر فالمراد ما هو شر من غيره وفيه أذى لبعض الناس ولكن خلقه لحكمة وما خلق لحكمة مطلوبة محبوبة فوجوده خير من عدمه فلم يخلق شيئا يكون شرا أي يكون وجوده شرا من عدمه لكن يخلق ما هو شر من غيره وغيره خير منه للحكمة المطلوبة وما فيه أذى لبعض الناس للحكمة المطلوبةلا يعذب الله أحدًا إلا بذنبهوهو سبحانه لا يعذب أحدا إلا بذنبه بمقتضى الحكمة والعدل وفي تعذيبه أنواع الحكمة والرحمة وهذا ظاهر فيما يبتلى به المؤمنين في الدنيا من المصائب التي هي جزاء سيئاتهم فإن في ذلك من الحكمة والرحمة والعدل ما هو بين لمن تأمله ولا يعاقب أحدا إلا بذنبهقال تعالى وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير سورة الشورى 30 و ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك سورة النساء 79 ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم سورة الأنفال 53 فلا يسلبهم إلا إذا غيروا ما في أنفسهم بالمعاصي والذنوب فلا يجزى بالسيئات إلا من فعل السيئات ولا يوقع النقم ويسلب النعم إلا من أتى بالسيئات المقتضية لذلك كما فعل بمن خالف رسله من جميع الأمم كما قال في العذاب كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله
بذنوبهم إن الله قوي شديد العقاب سورة الأنفال 52 ثم قال ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم الآية وما بعدها إلى قوله وكل كانوا ظالمين سورة الأنفال 53 54 فذكر تمثيلا لزوال النعم عليهم لما كذبوا بآياتهولهذا قال فأهلكناهم بذنوبهم سورة الأنفال 54 وذكر الأول تمثيلا لعذابهم بعد الموت كما قال ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي شديد العقاب سورة الأنفال 50 52 فقال هنا فأخذهم الله بذنوبهم فإن أخذه يتضمن أخذهم ليصلوا بعد الموت إلى العذاب ولفظ الهلاك يقتضي هلاكهم في الدنيا وزوال النعمة عنهم فذكر هلاكهم بزوال النعم وذكروا أخذهم بالنقم كما قال وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد سورة هود 102ولفظ المؤاخذة من الأخذ ومنه قوله تعالى ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا سورة البقرة 286 وقوله إن أخذه أليم شديد كقوله إن بطش ربك لشديد سورة البروج 12 وقال تعالى ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون الآية سورة الأنعام 42 وقال تعالى ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون سورة المؤمنون 76 فهذا تعذيب لهم في الدنيا ليتضرعوا إليه وليتوبوا وذكر هنا أنه أخذهم
بالعذاب ولم يقل بالذنوب كأنه والله أعلم ضمن ذلك معنى جذبانهم إلينا لينيبوا وليتوبوا وإذا قال فأخذهم الله بذنوبهم يكون قد أهلكهم فأخذهم إليه بالهلاك وبسط هذا له موضح آخرالله يفعل الخير والأحسنوالمقصود هنا أن كل ما يفعله الرب ويخلقه فوجوده خير من عدمه وهو أيضا خير من غيره أي من موجود غيره يقدر موجودا بدله فكما أن وجوده خير من عدمه فهو أيضا خير من موجود آخر يقدر مخلوقا بدله كما ذكرنا فيما يأمر به أن فعله خير من تركه وأنه خير من أفعال غيره يشتغل بها عنه كما في قوله تعالى إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون سورة الجمعة 9وقولنا فعله خير من تركه سواء جعل الترك وجوديا أو عدميا والرب تعالى له المثل الأعلى وهو أعلى من غيره وأحق بالمدح والثناء من كل ما سواه وأولى بصفات الكمال وأبعد عن صفات النقص فمن الممتنع أن يكون المخلوق متصفا بكمال لا نقص فيه والرب لا يتصف إلا بالكمال الذي لا نقص فيه وإذا كان يأمر عبده أن يفعل الأحسن والخير فيمتنع أن لا يفعل هو إلا ما هو الأحسن والخير فإن فعل الأحسن والخير مدح وكمال لا نقص فيه فهو أحق بالمدح والكمال الذي لا نقص فيه من غيرهقال تعالى وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين سورة الأعراف 145 وقال الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه سورة الزمر 18 واتبعوا أحسن
ا أنزل إليكم من ربكم سورة الزمر 55 وقال وافعلوا الخير لعلكم تفلحون سورة الحج 77 وقد قال تعالى في مدح نفسه قل اللهم مالك الملك إلى قوله بيدك الخير إنك على كل شيء قدير سورة آل عمران 26 وقال تعالى الله نزل أحسن الحديث سورة الزمر 23 فكلامه أحسن الكلام وقال تعالى الذي أحسن كل شيء خلقه الآية سورة السجدة 7 فقد أحسن كل شيء خلقه وقال صنع الله الذي أتقن كل شيء سورة النمل 88 وهو سبحانه الرحمن الرحيم الغفور الودود الجواد الماجد وهو سبحانه الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم وهو أرحم الراحمين وخير الراحمين كما قال أيوب مسني الضر وأنت أرحمن الراحمين سورة الأنبياء 83 وقال لنبيه وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين سورة المؤمنون 118 فهو أحق بالرحمة والجود والإحسان من كل أحد وقد قال سبحانه وربك يخلق ما يشاء ويختار ثم قال ما كان لهم الخيرة سورة القصص 68 فأخبر أنه يخلق ما يشاء ويختار والإختيار في لغة القرآن يراد به التفضيل والإنتقاء والإصطفاء كما قال فلما أتاها نودي يا موسى إلى قوله وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى سورة طه 11 13 وقال تعالى ولقد نجينا
بني إسرائيل من العذاب المهين سورة الدخان 30 إلى قوله ولقد اخترناهم على علم على العالمين وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين سورة الدخان 32 33 وقال في الآية الأخرى ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة الآية سورة الجاثية 16 ومنه قوله تعالى واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا سورة الأعراف 155 ومنه في الحديث إن الله اختار من الأيام يوم الجمعة ومن الشهور شهر رمضان واختار الليالي فاختار ليلة القدر واختار الساعاة فاختار ساعات الصلوات رواه ابن عساكر في كتاب تشريف يوم الجمعة وتعظيمه عن كعب الأحبارفصل مختصرقال الشيخ رحمه الله في آخر هذا الفصل من هذه القاعدةبيان حقيقة إرادة اللهإذا أراد سبحانه أن يخلق كان الخلق عقب الإرادة والمخلوق عقب التكوين والخلق كما قال تعالى إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون سورة يس 82والجهمية والمعتزلة لا يقولون بذلك في الفعل بل يقولون يفعل مع جواز أن لا يفعل إلى أن قال
وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفوا ذلك وبينوه للناس وعرفوا أن حدوث الحوادث اليومية المشهودة تدل على أن العالم مخلوق وأن له ربا خلقه ويحدث فيه الحوادث وقد ذكر ذلك الحسن البصري كما رواه أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب المطر ورواه أبو الشيخ الأصبهاني في كتاب العظمة وذكره أبو الفرج بن الجوزي في تفسيره قال أبو بكر بن أبي الدنيا حدثني هارون حدثني عفان عن مبارك بن فضالة قال سمعت الحسن يقول كانوا يقولون يعني أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمد لله الرفيق الذي لو جعل هذا الخلق خلقا دائما لا يتصرف لقال الشاك في الله لو كان لهذا الخلق رب لحادثه وإن الله قد حادثه بما ترون من الآيات إنه جاء بضوء طبق ما بين الخافقين وجعل فيها معاشا وسراجا وهاجا ثم إذا شاء ذهب بذلك الخلق وجاء بظلمة طبقت ما بين الخافقين وجعل فيها سكنا ونجوما وقمرا منيرا وإذا شاء بنى بناء جعل فيه
من المطر والبرق والرعد والصواعق ما شاء وإذا شاء صرف ذلك وإذا شاء جاء ببرد يقرقف الناس وإذا شاء ذهب بذلك وجاء بحر يأخذ بأنفاس الناس ليعلم الناس أن لهذا الخلق ربا يحادثه بما يرون من الآيات كذلك إذا شاء ذهب بالدنيا وجاء بالآخرة فقد ذكر الحسن عن الصحابة الإستدلال بهذه الحوادث المشهودة على وجود الرب سبحانه المحدث الفاعل بمشيئته وقدرته وبطلان أن يكون موجبا يقارنه موجبه فإن ذلك يمتنع محادثته أي إحداث الحوادث فيه وقولهم لو كان هذا الخلق خلقا دائما لا يتصرف لقال الشاك في الله لو كان لهذا الخلق رب لحادثه يقتضي أن هذه الحوادث آيات الله وأنه رب هذا الخلق وأن هذا الخلق محدث لكون غيره يحادثه أي يحدث فيه الحوادث وما صرفه غيره وأحدث فيه الحوادث كان مقهورا مدبرا لم يكن واجبا بنفسه ممتنعا عن غيره وقوله لو كان له رب لحادثه قد يقال إنهم أنكروا هذا القول لقولهم لقال الشاك في الله وقد يقال بل هم مصدقون بهذه القضية الشرطية ولكن لو لم تكن الحوادث لكان الله يعرف دون هذه الحوادث فإن معرفته حاصلة بالفطرة والضرورة ونفس وجود الإنسان مستلزم لوجود الرب فكان الصانع يعلم من غير هذه الطريق فلهذا يعاب الشاك ويمكن أنهم لم يقصدوا عيبه على هذا التقدير بل على هذا التقدير كان الشك موجودا في الناس إذ لا دليل على وجوده فكانت هذه الآيات مزيلة للشك وموجبة لليقين
والأول أشبه بمرادهم وأولى بالحق فإنهم قالوا لقال الشاك في الله فدل على أن هناك من ليس بشاك في الله ولم يقولوا لشك الناس في الله وبسط هذا القول في إثبات الصانع له موضع غير هذا والمقصود أنه سبحانه وتعالى يخلق بمشيئته واختياره وأنه يختار الأحسن وأن إرادته ترجح الراجح الأحسن وهذا حقيقة الإرادة ولا تعقل إرادة ترجح مثلا على مثل ولو قدر وجود مثل هذه الإرادة فتلك أكمل وأفضل والخلق متصفون بها ويمتنع أن يكون المخلوق أكمل من الخالق والمحدث الممكن أكمل من الواجب القديم فوجب أن يكون ما توصف به إرادته أكمل مما توصف به إرادة غيره فيجب أن يريد بها ما هو الأولى والأحسن والأفضل وهو سبحانه يفعل بمشيئته وقدرته فالممتنع لا تتعلق به قدرة فلا يراد والممكن لذي يمكن أن يفعل ويكون مقدورا ترجح الإرادة الأفضل الأرجح منه وما يحكي عن الغزالي أنه قال ليس في الإمكان أبدع من هذا العالم فإنه لو كان كذلك ولم يخلقه لكان بخلا يناقض الجود أو عجزا يناقض القدرة
وقد أنرك عليه طائفة هذا الكلام وتفصيله أن الممكن يراد به القدور ولا ريب أن الله سبحانه يقدر على غير هذا العالم وعلى إبداع غيره إلى ما لا يتناهى كثرة ويقدر على غير ما فعله كما قد بينا ذلك في غير هذا الموضع وبين ذلك في غير موضع من القرآن وقد يراد به إنه ما يمكن أحسن منه ولا أكمل منه فهذا ليس قدحا في القدرة بل قد أثبت قدرته على غير ما فعله لكن قال ما فعله أحسن وأكمل مما لم يفعله وهذا وصف له سبحانه بالكرم والجود والإحسان وهو سبحانه الأكرم فلا يتصور أكرم منه سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا آخره والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين وسلم تسليما
Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article