Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
albasseira.overblog.com

un blog qui traite des sujets sur l'islam

شرح كتاب النكاح الجزء 5

شرح كتاب النكاح

الجزء 5

( الْبَابُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ فِي نِكَاحِ الْعَبْدِ ) الْعَبْدُ لَا يَخْلُو أَنْ يَنْكِحَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ نَكَحَ بِإِذْنِهِ فَالْمَهْرُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ لَيْسَ عَلَى السَّيِّدِ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ ذَلِكَ وَمَعْنَى ذِمَّةِ الْعَبْدِ مَا يَطْرَأُ لَهُ بَعْدَ النِّكَاحِ مِنْ مَالٍ بِصَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَبِهِ يَتَعَلَّقُ الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجَةِ دُونَ مَكَاسِبِهِ الَّتِي هِيَ عِوَضُ حَرَكَاتِهِ بِصَنْعَةٍ أَوْ خِدْمَةٍ . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ فِي مَكْسَبِهِ الَّذِي هُوَ عِوَضٌ مِنْ حَرَكَاتِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ إذْنَ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ فِي النِّكَاحِ لَمَّا كَانَ لَا يَخْرُجُ مِنْ مِلْكِهِ شَيْئًا وَمِنْ رَقَبَتِهِ فَكَذَلِكَ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ حَقًّا مِنْ مَنَافِعِهِ . ( مَسْأَلَةٌ ) : إنْ كَانَ نَكَحَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَأَنْكَرَ السَّيِّدُ قَدْرَ الْمَهْرِ فَإِنْ كَانَ مَهْرَ مِثْلِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهِ لَمْ يَجِبْ ذَلِكَ عَلَى السَّيِّدِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فَإِنْ عَلِمَ بِذَلِكَ السَّيِّدُ وَاعْتَرَضَ فِيهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَالزَّوْجَةُ مُخَيَّرَةٌ بَيْنَ أَنْ تَرْضَى مِنْ ذَلِكَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَبَيْنَ أَنْ تَمْتَنِعَ فَيُفْسَخُ النِّكَاحُ فَإِنْ عَلِمَ بِذَلِكَ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَاعْتَرَضَ فِيهِ بَعْدَ لُزُومِ النِّكَاحِ وَفَوَاتِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مَا زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ إطْلَاقَ الْإِذْنِ إنَّمَا يَقْتَضِي الْمُعْتَادَ فَلَا يَلْزَمُهُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ . ( مَسْأَلَةٌ ) : وَإِنْ كَانَ نَكَحَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَأَجَازَ السَّيِّدُ فَلَهَا جَمِيعُ الْمَهْرِ لِأَنَّ إجَازَتَهُ لِلنِّكَاحِ إجَازَةٌ لِلْمَهْرِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَمُحَمَّدٌ وَإِنْ فَسَخَ النِّكَاحُ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا شَيْءَ لَهَا مِنْ الْمَهْرِ وَإِنْ فَسَخَهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ اسْتَرَدَّهُ السَّيِّدُ إلَّا قَدْرَ مَا يَسْتَحِلُّ بِهِ وَهُوَ رُبْعُ دِينَارٍ لِأَنَّ الْمَالَ مَالُ السَّيِّدِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَالَ الْعَبْدِ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ السَّيِّدِ وَلِذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ انْتِزَاعُهُ مِنْهُ فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ التَّصَرُّفُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَأَمَّا مَا ارْتَجَعَ مِنْ الْمَهْرِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّهُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . ( مَسْأَلَةٌ ) : وَأَمَّا نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ فَلَا يَكُونُ عَلَى السَّيِّدِ شَيْءٌ مِنْهَا سَوَاءٌ نَكَحَ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْعَبْدِ عَلَى كُلِّ حَالٍ . وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَحَبُّ إلَيَّ إذَا نَكَحَ الْعَبْدُ أَنْ تَشْتَرِطَ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَعَلُّقِ حَقِّ السَّيِّدِ بِمَالِ الْعَبْدِ فَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا فِيهَا وَقَدْ فَسَّرْته فِي بَابِ جَامِعِ الطَّلَاقِ . ( فَرْعٌ ) وَالسَّيِّدُ أَوْلَى بِخَرَاجِهِ وَبِمَا فِي يَدِهِ فَإِنْ وَجَدَ الْعَبْدُ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَإِلَّا تَلُومُ لَهُ فَإِنْ وَجَدَ نَفَقَةً وَإِلَّا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا كَالْحُرَّةِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ .

( ش ) : قَوْلُهُ إنَّ نِسَاءً كُنَّ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسْلِمْنَ بِأَرْضِهِنَّ وَهُنَّ غَيْرُ مُهَاجِرَاتٍ وَأَزْوَاجُهُنَّ حِينَ أَسْلَمْنَ كُفَّارٌ مِنْهُنَّ بِنْتُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَهِيَ عَاتِكَةُ بِنْتُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ إلَى قَوْلِهِ أَسْلَمَتْ عَامَ الْفَتْحِ يُحْتَمَلُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ أَنْ تَكُونَ أَسْلَمَتْ فِي وَقْتً تُمْكِنُ الْهِجْرَةُ فِيهِ وَذَلِكَ قَبْلَ الْفَتْحِ لِأَنَّهُ قَالَ أَسْلَمْنَ بِأَرْضِهِنَّ وَلَمْ يُهَاجِرْنَ وَأَزْوَاجُهُنَّ كُفَّارٌ وَلَوْ كَانَ وَقْتٌ لَا يُمْكِنُ فِيهِ الْهِجْرَةُ لَمَا احْتَاجَ إلَى نَفْيِ الْهِجْرَةِ عَنْهُنَّ لِأَنَّ تِلْكَ حَالُ سَائِرِ النِّسَاءِ لَا يُمْكِنُ سِوَاهَا ثُمَّ قَالَ مِنْهُنَّ بِنْتُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ عَامَ الْفَتْحِ وَمَنْ أَسْلَمَ عَامَ الْفَتْحِ قَبْلَ الْفَتْحِ فَإِنَّمَا أَسْلَمَتْ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ فِيهِ الْهِجْرَةُ وَأَمَّا مَنْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ الْفَتْحِ فَقَدْ فَاتَتْهَا الْهِجْرَةُ لِأَنَّهُ لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَعَاتِكَةُ إذَا أَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَرَّ زَوْجُهَا صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ لَكِنَّهُ إنَّمَا أَضَافَهَا إلَى مَنْ لَمْ تُهَاجِرْ وَوَصَفَهَا بِعَدَمِ الْهِجْرَةِ لِأَنَّ الْقُرْآنَ إنَّمَا أُنْزِلَ بِحُكْمِ مَنْ هَاجَرَ وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا حُكْمُ مَنْ هَاجَرَ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ . ( فَصْلٌ ) : وَقَوْلُهُ وَهَرَبَ زَوْجُهَا مِنْ الْإِسْلَامِ يُرِيدُ أَنَّهُ فَرَّ لِئَلَّا يَدْخُلَ فِيهِ وَلَمْ يَفِرَّ مِنْ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ أَمِنَ مِنْ الْقَتْلِ وَقَدْ عَرَفَ ذَلِكَ صَفْوَانُ وَغَيْرُهُ لَكِنَّ فِرَارَهُ كَانَ مِنْ الْإِسْلَامِ الَّذِي أَبَاهُ وَعَلَيْهِ قُوتِلَ حَتَّى أَظْهَرَ اللَّهُ تَعَالَى الدِّينَ فَذَلِكَ قوله تعالى { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنْ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ } . ( فَصْلٌ ) : وَقَوْلُهُ فَبَعَثَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ابْنَ عَمِّهِ وَهْبَ بْنَ عُمَيْرٍ بِرِدَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَانًا لِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَدَعَاهُ إلَى الْإِسْلَامِ وَإِلَى أَنْ يَقْدُمَ عَلَيْهِ فَإِنْ رَضِيَ أَمْرًا قَبِلَهُ وَإِلَّا سَيَّرَهُ شَهْرَيْنِ يُرِيدُ أَنَّهُ أَرْسَلَ ابْنَ عَمِّهِ لِسُكُونِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ إلَى قَوْلِهِ وَثِقَتِهِ بِهِ وَقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَمَعْرِفَتِهِ بِإِشْفَاقِهِ وَقَرَنَ بِهِ رِدَاءَهُ لِيَتَحَقَّقَ بِذَلِكَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ بِهِ وَهْبُ بْنُ عُمَيْرٍ مِنْ تَأْمِينِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُ وَدُعَائِهِ إيَّاهُ إلَى مَا ذَكَرَهُ لَهُ عَلَى حَسْبِ عَادَةِ الْعَرَبِ فِي ذَلِكَ مِنْ أَنَّ مَنْ أَمَّنَ مِنْهُمْ أَحَدًا أَعْطَاهُ سَوْطَهُ أَوْ رِدَاءَهُ أَوْ حَبْلًا أَوْ شَيْئًا يَكُونُ كَالشَّاهِدِ لَهُ عَلَى التَّأْمِينِ وَيُشْهَرُ بِهِ تَأْمِينُهُ لَهُ وَقَوْلُهُ وَدَعَاهُ إلَى الْإِسْلَامِ بِمَعْنَى أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ وَيُبَيِّنَ لَهُ شَرَائِعَهُ وَأَحْكَامَهُ وَهَدْيَهُ فَإِنْ رَضِيَهُ الْتَزَمَهُ وَدَخَلَ فِيهِ وَقَبِلَهُ مِنْهُ وَإِنْ كَرِهَ ذَلِكَ سَيَّرَهُ شَهْرَيْنِ يَعْنِي أَنَّهُ يُؤَمِّنُهُ فِيهِمَا لَا يَعْرِضُ لَهُ أَحَدٌ حَكَاهُ ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَعِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ لِيَتَمَكَّنَ فِيهِمَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى حَيْثُ يَأْمَنُ مِنْ بِلَادِ الشِّرْكِ وَسَائِرِ الْأُمَمِ قَالَ أَبُو الْمُطَرِّفِ الْقَنَازِعِيُّ رحمه الله وَهَذَا أَصْلٌ فِي عَقْدِ الصُّلْحِ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُسْلِمِينَ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَعَلَى حَسْبِ مَا يَرَوْنَهُ مَصْلَحَةً لَهُمْ وَمَا قَالَهُ لَيْسَ بِالْبَيِّنِ وَإِنَّمَا هُوَ تَأْمِينٌ لِرَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ لِيَرَى الْإِسْلَامَ وَحَالَهُ فَإِنْ رَضِيَهُ دَخَلَ فِيهِ وَإِلَّا كَانَ آمِنًا مُدَّةً يُمْكِنُهُ أَنْ يَبْلُغَ مَأْمَنَهُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنْ يُسَمِّيَ التَّأْمِينَ صُلْحًا مَجَازًا أَوْ اتِّسَاعًا أَوْ لِأَنَّ الْمُؤَمَّنَ أَيْضًا يَأْمَنُهُ مَنْ أَمَّنَهُ لَكِنْ لِهَذَا الْمَعْنَى اسْمٌ يَخْتَصُّ بِهِ وَهُوَ التَّأْمِينُ وَالصُّلْحُ أَيْضًا اسْمٌ لِمَعْنًى آخَرَ يَخْتَصُّ بِهِ وَتَخْتَلِفُ أَحْكَامُهُمَا لِأَنَّ الْمُصَالَحَ يَمْلِكُ نَفْسَهُ وَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُهُ وَالْمُؤَمَّنُ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ وَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُهُ وَإِنَّمَا يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ مَنْ أَمَّنَهُ عَلَى حَسْبِ مَا يَأْتِي تَفْسِيرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . ( فَصْلٌ ) : وَقَوْلُهُ فَلَمَّا قَدِمَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ أَنَّهُ نَادَاهُ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ هَذَا وَهْبُ بْنُ عُمَيْرٍ جَاءَنِي بِرِدَائِك يَزْعُمُ أَنَّك دَعَوْتنِي إلَى الْقُدُومِ عَلَيْك يُرِيدُ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ حِينَ قُدُومِهِ نَادَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ يُرِيدُ إشْهَارَ تَأْمِينِهِ وَالْإِعْلَانَ بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعَ كُفْرِهِ قَدْ خَافَ أَمْرًا مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنْ لَمْ يُشْهِرْ تَأْمِينَهُ مَعَ مَا عُلِمَ مِنْ وَفَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّهُ لَمْ يَغْدِرْ قَطُّ بِذِمَّةٍ عَرَفَ ذَلِكَ مِنْ حَالِهِ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ لِهِرَقْلَ حِينَ سَأَلَهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَيَغْدِرُ ؟ قَالَ لَا وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِي ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ قَالَ ذَلِكَ وَأَعْلَنَ بِهِ لِيَعْلَمَ عِلْمَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ فَرُبَّمَا خَفَى ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ فَاغْتَالَهُ وَبَدَرَ بِقَتْلِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صَفْوَانُ أَرَادَ تَحْقِيقَ مَا جَاءَ بِهِ ابْنُ عَمِّهِ لِتَجْوِيزِهِ الْوَهْمَ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ تُسْتَعْمَلُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ لِمَنْ قَامَ بِقَوْلٍ يَقُولُهُ وَيُعْلِنُ بِهِ وَالنَّاسُ جُلُوسٌ مُنْصِتُونَ بِمَعْنَى أَنَّهُ عَلَى رُءُوسِهِمْ وَأَنَّهُ يُسْمِعُ جَمِيعَهُمْ وَلَمْ يُخْبِرْ بِذَلِكَ إخْبَارَ الْجَالِسِ لَدَى مَنْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ وَحَادَثَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . ( فَصْلٌ ) : وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم اجْلِسْ أَبَا وَهْبٍ فَكَنَّاهُ وَهِيَ كُنْيَةُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مُزَيْنٍ عَنْهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُكَنَّى الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم بِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَكَانَ مُشْرِكًا قَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ . وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يُكَنَّى الْيَهُودِيُّ وَلَا النَّصْرَانِيُّ الذِّمِّيُّ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَلْزَمَهُمْ الذِّلَّةَ وَالصَّغَارَ وَفِي تَكْنِيَتِهِ إكْرَامُهُ وَتَعْظِيمُهُ وَإِنَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو الْعَرَبَ خَاصَّةً بِكُنَاهَا مَعَ الْإِشْرَاكِ اسْتِئْلَافًا لَهَا بِذَلِكَ وَلِمَنْ كَانَ وَرَاءَهَا مِنْ عَشَائِرِهَا كَمَا جَاءَ عَنْهُ أَنَّهُ مَنَّ عَلَى غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَسْرَى الْعَرَبِ الْمُشْرِكِينَ أَطْلَقَهُمْ امْتِنَانًا وَاسْتِئْلَافًا بِغَيْرِ فِدَاءٍ فَكَانَ الْغَيْرُ إنَّمَا قَصَرَ ذَلِكَ عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ دُونَ غَيْرِهِمْ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ وَتَقْسِيمٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْكُنَى قَدْ يُدْعَى بِهَا عَلَى غَيْرِ سَبِيلِ الْإِكْرَامِ إمَّا لِشُهْرَتِهَا وَأَنَّهَا تُغْلَبُ عَلَى الِاسْمِ وَيُشْتَهَرُ بِهَا صَاحِبُهَا دُونَ الِاسْمِ فَهَذَا لَا اخْتِلَافَ فِي جَوَازِهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } فَكَنَّاهُ لِاشْتِهَارِهِ بِكُنْيَتِهِ فَلَمْ يُرِدْ إكْرَامَهُ بِهَذَا وَلَا اسْتِئْلَافَهُ فَفِي السُّورَةِ مِنْ ذَمِّهِ وَالْإِخْبَارِ بِأَنَّهُ سَيَصْلَى النَّارَ مَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ غَلَبَتْ الْكُنَى عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَأَبِي بَكْرٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ وَغَلَبَتْ الْأَسْمَاءُ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ كَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ بِالِانْتِسَابِ إلَى أَسْمَائِهِمْ وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَلَمْ يَقُلْ أَنَا ابْنُ أَبِي الْحَارِثِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَضَعَ مِنْ جَدِّهِ وَلَا قَصَدَ إلَى تَصْغِيرِ حَالِهِ وَلِذَلِكَ قَالَ لِحَسَّانَ لَمَّا اسْتَأْذَنَهُ فِي هِجَاءِ قُرَيْشٍ كَيْفَ بِنَسَبِي فِيهِمْ فَقَالَ لَأَسُلَّنك مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ فَقَدْ يُدْعَى بِالْكُنَى عَلَى مَعْنَى الشُّهْرَةِ وَغَلَبَتِهَا وَقَدْ يَكُونُ مِنْ النَّاسِ مَنْ لَا اسْمَ لَهُ وَاسْمُهُ كُنْيَتُهُ كَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ وَغَيْرِهِمَا وَأَمَّا الْكُنْيَةُ عَلَى سَبِيلِ الْإِكْرَامِ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُدْعَى بِهَا مَنْ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ أَوْ لَا هِيَ الَّتِي يَصِحُّ فِيهَا الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . ( فَصْلٌ ) : وَقَوْلُهُ فَقَالَ لَا وَاَللَّهِ حَتَّى تُبَيِّنَ لِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَلْ لَك تَسْيِيرُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ حَتَّى تُبَيِّنَ مَا أَنَفَذْت بِهِ إلَيَّ هَلْ هُوَ عَلَى مَا بَلَغَنِي فَأَنْزِلَ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ فَأَنْظُرَ فِيهِ فَيَكُونُ التَّبَيُّنُ حِينَئِذٍ لَهُ خَاصَّةً لِيَعْلَمَ وَجْهَ التَّأْمِينِ كَيْفَ هُوَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ حَتَّى تُبَيِّنَ لِي بِأَنْ يَسْمَعَ هَؤُلَاءِ تَأْمِينَك لِي فَآمَنُ فِي الْمُسْتَقْبِلِ إذَا اُشْتُهِرَ الْأَمَانُ أَوْ تُعْلِمَ بِذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِك فَلَا يَكُونُ مِنْهُمْ مَنْ أَخَافُ إذَايَتَهُ فَأَجَابَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالزِّيَادَةِ فِي التَّأْمِينِ عَلَى مَا بَلَغَهُ وَرَضِيَهُ فَقَالَ بَلْ لَك تَسْيِيرُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَلَى هَذَا اسْتَقَرَّ أَمْرُ التَّسْيِيرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ } وَإِنَّمَا بَالَغَ فِي ذَلِكَ صلى الله عليه وسلم اسْتِئْلَافًا لَهُ وَاسْتِمَالَةً إلَى الْإِسْلَامِ وَلِيَعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ الْغَرَضُ فِي قَتْلِهِ وَلَا التَّشَفِّي مِنْهُ لِعَدَاوَتِهِ وَإِنَّمَا الْغَرَضُ أَنْ يُدْعَى إلَى الْإِسْلَامِ فَيَدْخُلَ فِيهِ فَيُكَفِّرَ عَنْهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ سَيِّئِ عَمَلِهِ وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِنَفْسِهِ قَطُّ إلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةٌ مِنْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ بِهَا وَإِنَّمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ ذَلِكَ لِمَا اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ مِنْ الْجِهَادِ وَمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ رَبُّهُ مِنْ قِتَالِ مَنْ لَا يَدْخُلُ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا يُقِرُّ بِهِ فَمَنْ أَقَرَّ بِهِ وَدَخَلَ فِيهِ أَطْرَحَ عَدَاوَتَهُ وَأَظْهَرَ مَوَدَّتَهُ وَلَمْ يَبْلُغْ بِأَحَدٍ أَكْثَرَ مِمَّا بَلَغَ بِوَحْشِيٍّ قَاتِلِ حَمْزَةَ قَالَ لَهُ هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُغَيِّبَ عَنِّي وَجْهَك . ( فَصْلٌ ) : وَقَوْلُهُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ هَوَازِنَ بِجَيْشٍ فَأَرْسَلَ إلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ أَنْ يَسْتَعِيرَهُ أَدَاةً وَسِلَاحًا عِنْدَهُ فَقَالَ صَفْوَانُ أَطَوْعًا أَمْ كَرْهًا فَقَالَ بَلْ طَوْعًا يُرِيدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا خَرَجَ إلَى حُنَيْنٍ قَبْلَ هَوَازِنَ اسْتَعَارَ مِنْ صَفْوَانَ أَدَاةً وَسِلَاحًا كَانَتْ عِنْدَهُ وَالْعَارِيَّةُ مُبَاحَةٌ مِنْ الْكَافِرِ وَغَيْرِهِ . وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَلْبَسَ الْمُسْلِمُ ثَوْبًا لَبِسَهُ كَافِرٌ حَتَّى يَغْسِلَهُ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الثِّيَابِ الَّتِي يُفْسِدُهَا الْغَسْلُ فَلْيَلْبِسْهَا وَيُصَلِّي فِيهَا دُونَ أَنْ يَغْسِلَهَا فَعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَنْ لَبِسَهَا مِنْ الصَّحَابَةِ لَمْ يَسْتَدِمْ لُبْسَهَا حِينَ الصَّلَاةِ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهَا لِأَنَّ الدُّرُوعَ مِمَّا يُفْسِدُهَا الْغَسْلُ وَأَمَّا أَحْكَامُ الْعَارِيَّةِ إذَا تَلِفَتْ عِنْدَ الْمُعَارِ فَنَحْنُ نَذْكُرُهَا فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . ( فَصْلٌ ) : وَقَوْلُهُ ثُمَّ رَجَعَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَعَاهُ إلَى الْخُرُوجِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا خَرَجَ بِاخْتِيَارِهِ وَلَمْ يَدْعُهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَا يَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الْخُرُوجِ لَمَّا رَجَا أَنْ يَرَى فِي طَرِيقِهِ وَسَفَرِهِ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا يُقَوِّي فِي نَفْسِهِ أَمْرَ الْإِسْلَامِ فَيَكُونُ سَبَبًا لِإِسْلَامِهِ وَهَلْ الْمَنْعُ لَمْ يَتَنَاوَلْ خُرُوجَهُ مَعَهُ وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ اسْتِعَانَتَهُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَشَهِدَ حُنَيْنًا وَالطَّائِفَ وَهُوَ كَافِرٌ وَامْرَأَتُهُ مُسْلِمَةٌ وَلَمْ يُفَرِّقْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ حَتَّى أَسْلَمَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ يُرِيدُ لَمْ يَفْسَخْ نِكَاحَهُ وَأَمَّا التَّفْرِقَةُ بِأَنْ لَا يُجَامِعَهَا فَهِيَ مُتَيَقِّنَةٌ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهَا الرَّاوِي فِي حَدِيثِهِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَقْوَالٍ فَعِنْدَ مَالِكٍ أَنَّ الزَّوْجَةَ لَا تَبِينُ مِنْ زَوْجِهَا الْكَافِرِ بِنَفْسِ إسْلَامِهَا وَبِهِ قَالَ عَطَاءُ وَابْنُ شِهَابٍ وَعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ وَجَمَاعَةٌ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إذَا أَسْلَمَتْ قَبْلَهُ بِسَاعَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ . وَحَدِيثُ ابْنِ شِهَابٍ هَذَا وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا وَمَرَاسِيلُ ابْنِ شِهَابٍ لَا يُحْتَجُّ بِهَا غَيْرَ أَنَّ هَاتَيْنِ الْقِصَّتَيْنِ قِصَّةَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَقِصَّةَ عِكْرِمَةَ قَدْ شُهِرَتَا وَتَوَاتَرَ خَبَرُهُمَا فَكَانَ ذَلِكَ يَقُومُ لَهُمَا مَقَامَ الْإِسْنَادِ الْمُتَّصِلِ . وَقَدْ رَوَى وَكِيعٌ عَنْ أَسْمَاءَ وَعَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ { امْرَأَةً أَسْلَمَتْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَ زَوْجُهَا بَعْدَهَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا كَانَتْ أَسْلَمَتْ مَعِي فَرَدَّهَا عَلَيْهِ } وَقَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ . ( مَسْأَلَةٌ ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَدِيمُ مِلْكَ عِصْمَتِهِ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى كُفْرِهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهما أَنَّهَا تُخَيَّرُ فَإِنْ شَاءَتْ فَارَقَتْهُ وَإِنْ شَاءَتْ قَرَّتْ عِنْدَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَدِيمُ مِلْكَ عِصْمَتِهَا مَعَ بَقَائِهِ عَلَى كُفْرِهِ قوله تعالى { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } وَهَذَا نَصٌّ فِي تَحْرِيمِ الْمُهَاجِرَاتِ فَهُوَ حُجَّةٌ فَإِنْ سَلِمَ قِسْنَا عَلَيْهِ غَيْرَ الْمُهَاجِرَاتِ فَقُلْنَا إنَّ هَذِهِ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ فَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهَا تَحْتَ الْكَافِرِ أَوْ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَدِيمَ الْكَافِرُ مِلْكَ عِصْمَتِهَا كَالْمُهَاجِرَةِ .

( ش ) : قَوْلُهُ إنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ ظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ أَنَّ أَثَرَ الصُّفْرَةِ كَانَ بِجَسَدِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي ثِيَابِهِ , إذَا اُسْتُعْمِلَ اللَّفْظُ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَالِاتِّسَاعِ كَمَا يُقَالُ أَصَابَ فُلَانًا الطِّينُ وَالْمَطَرُ وَإِنَّمَا أَصَابَ ذَلِكَ ثِيَابَهُ وَالصُّفْرَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ صُفْرَةَ زَعْفَرَانٍ أَوْ غَيْرِهِ , اُسْتُعْمِلَ عَلَى وَجْهِ الصَّبْغِ لِلثِّيَابِ أَوْ الْجَسَدِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ صُفْرَةَ طِيبٍ لَهُ لَوْنٌ قَدْ تَطَيَّبَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَبَقِيَتْ مِنْ لَوْنِهِ عَلَى ثِيَابِهِ أَوْ جَسَدِهِ بَقِيَّةٌ . وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ فَقَالَ فِيهِ وَبِهِ رَدْغُ زَعْفَرَانٍ فَبَيَّنَ أَنَّ تِلْكَ الصُّفْرَةَ صُفْرَةُ زَعْفَرَانٍ وَبَيَّنَ أَصْحَابُ مَالِكٍ رضي الله عنه لِبَاسَ الثِّيَابِ الْمَصْبُوغَةِ بِالصُّفْرَةِ قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَمَّا الصُّفْرَةُ فَإِنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْبُغُ بِهَا فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَصْبُغَ بِهَا قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ يُرِيدُ يَصْبُغُ بِهَا ثِيَابَهُ لَا لِحْيَتَهُ هَذَا مَعْنَاهُ عِنْدَ أَصْحَابِ مَالِكٍ . وَقَالَ ابْنُ سُفْيَانَ فِي الصَّبْغِ بِالزَّعْفَرَانِ هَذَا جَائِزٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا فِي الثِّيَابِ دُونَ الْجَسَدِ وَكَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَصْبُغَ ثِيَابَهُ وَلِحْيَتَهُ بِالزَّعْفَرَانِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ مَا رَوَى الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه كَانَ يَصْبُغُ لِحْيَتَهُ بِالصُّفْرَةِ حَتَّى تَمْتَلِئَ ثِيَابَهُ مِنْ الصُّفْرَةِ فَقِيلَ لَهُ مَا تَصْنَعُ بِالصُّفْرَةِ فَقَالَ إنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْبُغُ بِهَا وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْهَا فَإِنَّهُ كَانَ يَصْبُغُ بِهَا ثِيَابَهُ حَتَّى عِمَامَتَهُ . ( فَصْلٌ ) : فَإِنْ كَانَ أَثَرُ الصُّفْرَةِ الَّتِي كَانَتْ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه أَثَرَ صُفْرَةِ صِبَاغٍ بِالزَّعْفَرَانِ فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَلْوَانِ الصَّبْغِ الَّتِي لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالطِّيبِ وَلَا يَنْتَفِضُ عَلَى الْجَسَدِ كَالصُّفْرَةِ الْمَصْبُوغَةِ بِالصُّفْرِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَصْبِغَةِ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ . ( فَصْلٌ ) : وَقَوْلُهُ فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَأَلَهُ لِمَا رَأَى عَلَيْهِ مِنْ التَّجَمُّلِ لِلْعُرْسِ لِيَعْلَمَ مَا سَبَبُ ذَلِكَ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ رَأَى عَلَيْهِ بَشَاشَةَ الْعُرْسِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرَى بِهِ مِنْ الصُّفْرَةِ أَوْ الطِّيبِ عَلَى جَسَدِهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَنْعُ إلَّا فِي عُرْسٍ أَوْ مَا جَرَى مَجْرَاهُ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ إنْ كَانَ اسْتَبَاحَهُ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ فَيُقِرَّهُ عَلَيْهِ أَوْ اسْتَبَاحَهُ بِغَيْرِ وَجْهٍ فَيُعْلِمَهُ حُكْمَهُ .

( ش ) : أَمْرُهُ صلى الله عليه وسلم مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً أَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً أَنْ يَأْخُذَ بِنَاصِيَتِهَا وَهُوَ مُقَدَّم شَعْرِ الرَّأْسِ وَيَدْعُوَ بِالْبَرَكَةِ وَأَمْرُهُ الَّذِي اشْتَرَى الْبَعِيرَ أَنْ يَأْخُذَ بِذُرْوَةِ سَنَامِهِ وَهِيَ أَعْلَاهُ وَيَسْتَعِيذَ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَصَّ الْإِبِلَ بِذَلِكَ لِمَا رُوِيَ أَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ الْجِنِّ فَاسْتَعَاذَ بِاَللَّهِ مِنْ سُوءِ مَا خُلِقَتْ مِنْهُ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ فِي الْإِبِلِ شَيْءٌ مِنْ أَخْلَاقِ مَنْ خُلِقَتْ مِنْهُ وَقَدْ قِيلَ إنَّ مَعْنَى مَا رُوِيَ أَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ الْجِنِّ أَنَّ فِيهَا مِنْ النِّفَارِ وَالْحِدَّةِ وَالْأَذَى وَالصَّوْلِ إذَا هَاجَتْ مَا شُبِّهَتْ مِنْ أَجْلِهِ بِالْجِنِّ فَعَلَى هَذَا أَيْضًا يُحْتَمَلُ أَنْ يُؤْمَرَ أَنْ يَسْتَعِيذَ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الَّذِي شُبِّهَ بِهِ مَا اشْتَرَاهُ بِشَرِّهِ وَأَذَاهُ وَرُبَّمَا سَبَّبَتْ لَهُ أَسْبَابَ الشَّرِّ وَحَمَلَهُ عَلَى النِّفَاقِ وَالْأَذَى وَالتَّرْوِيعِ وَالْهَيَجَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article