Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
albasseira.overblog.com

un blog qui traite des sujets sur l'islam

شرح الموطاء كتاب البيوع الجزء5

·

شرح الموطاء كتاب البيوع الجزء5

( ش ) : قَوْلُهُ { إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْخَصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَبِيعَهَا } مُطْلَقُ الرُّخْصَةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ يَقْتَضِي أَنْ يَخُصَّ بَعْضَ الْجُمْلَةِ الْمَحْظُورَةِ بِالْإِبَاحَةِ وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْقِيَاسَ عَلَيْهِ وَجَعَلُوا لَهُ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الرُّخْصَةِ عَلَيْهِ حُكْمًا مُفْرَدًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَدَّى إلَى غَيْرِهِ حَتَّى أَنَّهُمْ يُسَمُّونَ بِذَلِكَ كُلَّ حُكْمٍ لَا يُعَدُّونَهُ وَلَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ وَالصَّوَابُ أَنْ يُنْظَرَ إلَى عِلَّةِ ذَلِكَ الْحُكْمِ الَّذِي عُلِّقَ عَلَيْهَا فِي الشَّرْعِ فَإِنْ كَانَتْ عِلَّتُهُ وَاقِعَةً قُصِرَ الْحُكْمُ عَلَى مَوْضِعِهَا وَإِنْ كَانَتْ مُتَعَدِّيَةً عَدَّاهُ وَأُثْبِتَ الْحُكْمُ الْمُعَلَّقُ بِهَا حَيْثُ وُجِدَتْ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَمَعْنَى إطْلَاقِهِمْ عَلَيْهَا اسْمَ الرُّخْصَةِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رَوَى عَنْ { النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَنْعَ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ } . وَرَوَى عَنْهُ إبَاحَةَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْخَرْصِ فِي الْعَرِيَّةِ رَوَاهُ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ { لَا تَبِيعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ وَلَا تَبِيعُوا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ } قَالَ سَالِمٌ وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْخَصَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ بِالرُّطَبِ أَوْ بِالتَّمْرِ وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي غَيْرِهِ } فَخَصَّ الْعَرِيَّةَ بِهَذَا الْحُكْمِ دُونَ سَائِرِ الْمَبِيعِ مِنْ الثِّمَارِ وَالْمَعْنَى الْمُبِيحِ لِذَلِكَ ضَرُورَةُ الشَّرِكَةِ إذْ كَانَ أَصْلُهَا الْعَرِيَّةَ وَهَذَا الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ وَرَدَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ فَفِيهِ مَعْنًى مِنْ الْمَبِيعِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُعَرَّى إذَا خُرِصَتْ عَلَيْهِ الْعَرِيَّةُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا أَوْ يَأْكُلَهَا وَيَصْنَعَ بِهَا مَا شَاءَ وَيُعْطِيَهَا غَيْرَهُ وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا إزَالَةُ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ ; لِأَنَّ غَالِبَ أَحْوَالِ النَّاسِ وَأَهْلِ الْحَوَائِطِ الِانْفِرَادُ بِعِيَالِهِمْ وَذُرِّيَّتِهِمْ فِي حَوَائِطِهِمْ وَجَمْعُ مَا يَسْقُطُ مِنْهَا وَأَكْلُ ثَمَرِهَا رُطَبِهِ وَيَابِسِهِ فَإِذَا أَعَارَ نَخْلَةً مِنْ حَائِطِهِ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الِانْفِرَادُ فِيهِ بِأَهْلِهِ وَذُرِّيَّتِهِ ; لِأَنَّ لِلْمُعْرِي أَنْ يُقِيمَ مَعَ عَرِيَّتِهِ أَوْ يَمْتَنِعَ مَعَ ذَلِكَ عَلَى الْمُعْرِي وَعَلَى مَنْ مَعَهُ مِنْ أَهْلٍ وَوَلَدٍ لِانْبِسَاطِهِمْ فِي الْجَمْعِ وَالْأَكْلِ مِمَّا يَسْقُطُ إلَّا بَعْدَ التَّحَفُّظِ مِنْ الْعَرِيَّةِ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى الْمَشَقَّةِ إلَى مَا يَمْنَعُ مِنْ الْإِعْدَادِ فِي عَامٍ آخَرَ . وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْمُعْرِي إذَا أَعْرَى نَخْلَةً إنْ احْتَاجَ مِنْ مُرَاعَاتِهَا وَجَمْعِ سَوَاقِطِهَا وَحِفْظِهَا وَسَقْيِهَا وَالْعَمَلِ عَلَيْهَا لَزِمَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّةِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ قِيمَتِهَا فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى أَنْ لَا يَنْتَفِعَ بَعْدُ مِنْ جَمِيعِ مَا يَكُونُ فِيهِ , وَتَرْكِ التَّحَفُّظِ مِنْ ثَمَرَةِ الْغَيْرِ وَيَحْتَاجُ الْمُعْرِي إلَى مَنْ يَكْفِيهِ مَا يَلْزَمُهُ فِي عَرِيَّتِهِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فَجَازَ لِهَذَا الْمَعْنَى أَنْ يُخْرَصَ عَلَى الْمُعْرَى وَيَكُونَ عَلَيْهِ خَرْصُهَا تَمْرًا يُؤَدِّيهِ إلَى الْمُعْرِي عِنْدَ الْجُذَاذِ كَمَا يُخْرَصُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ الَّتِي تَجِبُ عَلَيْهِ فِي حَائِطِهِ لِأَهْلِ الزَّكَاةِ وَيَلْحَقُهُ مِنْ الضَّرَرِ بِمُشَارَكَتِهِمْ لَهُ فِي الْحَائِطِ مِثْلُ مَا يَلْحَقُهُمْ بِمُشَارَكَةِ الْمُعْرَى وَيَلْحَقُ أَهْلَ الزَّكَاةِ مِنْ الضَّرَرِ بِالْعَمَلِ فِي الْحَائِطِ وَالْحِفْظِ لَهُ مِثْلُ مَا يَلْحَقُ الْمُعْرِي وَقَدْ قَرَّرَ الشَّرْعُ فِيهِ خَرْصَهُ عَلَى أَهْلِ الْمَالِ لِيُؤَدُّوهُ عِنْدَ الْجُذَاذِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ . وَأَمَّا عِلَّةُ الِاسْتِضْرَارِ بِالدُّخُولِ بِهَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ الْإِرْفَاقُ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي إبَاحَةِ الْمَحْظُورِ وَلِذَلِكَ جَوَّزْنَا لِمَنْ أَرَادَ إرْفَاقَ صَدِيقٍ لَهُ أَنْ يُبَدِّلَ لَهُ ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ نَاقِصَةً بِثَلَاثَةِ دَنَانِيرَ وَازِنَةٍ عَدَدًا وَمَنَعَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنْ تَكُونَ لِذَلِكَ عِلَّةٌ عِنْدَ اسْتِضْرَارِ الْمُعْرِي بِدُخُولِ الْمُعْرَى فَأُبِيحَ لَهُ ذَلِكَ لِإِزَالَةِ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الضَّرَرِ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ وَيَتَحَرَّرُ عِنْدِي مِنْ هَذَا قِيَاسٌ أَنَّ هَذَا مَعْنَى حَدَّ فِي الشَّرْعِ بِخَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَجَازَ أَنْ تُخْرَصَ ثَمَرَتُهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ مَنْ تَخَرَّصَ عَلَيْهِ خَرْصَهُ تَمْرًا عِنْدَ الْجُذَاذِ , أَصْلُ ذَلِكَ الزَّكَاةُ .

( فَصْلٌ ) : وَقَوْلُهُ أُرْخِصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا خَصَّ بِذَلِكَ صَاحِبَ الْعَرِيَّةِ وَسَمَّاهُ بَيْعًا لَمَّا كَانَ لَهُ اسْتِهْلَاكُ الثَّمَرَةِ الَّتِي تُخْرَصُ عَلَيْهَا وَأَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهَا فَقَدْ مَلَكَهَا وَدَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ إنْ شَاءَ مِثْلَ خَرْصِهَا بَدَلًا مِنْهَا وَهَذَا فِيهِ مَعْنًى مِنْ الْبَيْعِ وَهُوَ لُزُومُ الْمُعَاوَضَةِ لِلْمُعْرِي وَلُزُومُ كَثِيرٍ مِنْ مَعْنَى الْعَقْدِ لِلْمُعَاوَضِ مِنْ حِفْظِ الثَّمَرَةِ وَجَذِّهَا وَالْتِزَامِهَا وَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ فِي دَفْعِ تِلْكَ الْعَيْنِ وَبَدَلِهَا بَعْدَهَا وَهَذَا إنَّمَا هُوَ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْقَرْضِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ عَلَى صِفَتِهَا وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ مِنْ مَعْنَى الْبَيْعِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ إلَّا بِاخْتِيَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ , وَأَمَّا الزَّكَاةُ فَلَمْ تَرِدْ فِي الشَّرْعِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ يَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ وَإِنْ لَمْ يُرْضِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهُ بِاسْمِ الْبَيْعِ وَالْمُوجِبُ لِذَلِكَ أَنَّ الْمُعْرِي مُعَيَّنٌ مَالِكٌ لِأَمْرِهِ فَلَمَّا لَمْ يَلْزَمْهُ الْخُرُوجُ عَنْ الْعَرِيَّةِ إلَّا بِاخْتِيَارِهِ فَكَذَلِكَ الْمُعْرَى لَا يَلْزَمُهُ الْتِزَامُهَا إلَّا بِالزَّكَاةِ وَالْمُسْتَحِقُّ لِلزَّكَاةِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَإِنَّمَا لِلْإِمَامِ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا قَرَّرَهُ الشَّرْعُ مِنْ خَرْصِ ذَلِكَ عَلَى أَرْبَابِ الْحَوَائِطِ وَتَسْلِيمِهِ إلَيْهِمْ وَلَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقَدِّمَ مَنْ يَنْظُرُ فِيهِ بِمُقَاسَمَةِ الثَّمَرَةِ حِينَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا أَوْ جَمْعِهَا وَحِفْظِهَا وَالنَّظَرِ فِيهِ وَكَانَ حُكْمُ خَرْصِهَا وَتَسْلِيمِهَا إلَى أَرْبَابِ الْحَوَائِطِ لَازِمٌ أَوْجَبَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَازِمًا فِي أَرْبَابِ الْحَوَائِطِ وَلِذَلِكَ لَمْ يُسَمَّ بَيْعًا لَمَّا لَمْ يُوقَفْ عَلَى اخْتِيَارِ الْإِمَامِ وَأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ . وَفِي هَذَا أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى الْعَرِيَّةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ جَوَازِ بَيْعِهَا وَالْبَابُ الثَّانِي فِي تَبْيِينِ مَنْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي تَبْيِينِ مَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِيهِ مِنْ الثِّمَارِ وَالْبَابُ الرَّابِعُ فِي تَبْيِينِ مِقْدَارِ مَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِيهِ مِنْ الثَّمَرَةِ . ( الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى الْعَرِيَّةِ ) فَأَمَّا مَعْنَى الْعَرِيَّةِ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ هُوَ عِنْدَنَا أَنْ يَهَبَ الرَّجُلُ ثَمَرَ نَخْلَةٍ أَوْ نَخَلَاتٍ مِنْ حَائِطِهِ لِرَجُلٍ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ يَجِيءُ عَلَى مَذْهَبِ أَشْهَبَ وَابْنِ حَبِيبٍ , وَأَمَّا ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنَّ مَعْنَى الْعَرِيَّةِ عِنْدَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ الثَّمَرَةَ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمُعْرَى مَا يَلْزَمُهَا إلَى وَقْتِ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَهُوَ وَقْتٌ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَإِطْلَاقُ الْهِبَةِ عِنْدَهُ لَا يَقْتَضِي هَذَا وَإِنَّمَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ الْمَوْهُوبَ لَهُ مِنْ يَوْمِ الْهِبَةِ فَفَرْقٌ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْهِبَةِ وَالْعَرِيَّةِ وَلِذَلِكَ قَالَ عَنْ مَالِكٍ إنَّ زَكَاةَ الْعَرِيَّةِ عَلَى الْمُعْرِي وَزَكَاةَ الثَّمَرَةِ الْمَوْهُوبَةِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ . قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَهُمَا فِي الزَّكَاةِ وَالسَّقْيِ وَقَالَ أَشْهَبُ : زَكَاةُ الْعَرِيَّةِ عَلَى الْمُعْرَى كَالْهِبَةِ إلَّا أَنْ يُعْرِيَهُ إلَى الزَّهْوِ وَيَلْزَمُهُ مِثْلُ ذَلِكَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ السَّقْيَ عَلَى الْمُعْرَى وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يَرَ لَهُمْ فِيهِ خِلَافًا وَلَمْ أَرَ فِيهِ وِفَاقًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِذَلِكَ سَقْيًا يَلْزَمُ الْمُعْرَى لِأَجْلِ الْأُصُولِ فَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِجَارَةِ عَلَى سَقْيِهَا فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِ الثَّمَرَةِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ السَّقْيُ وَالزَّكَاةُ فِي الْعَرِيَّةِ وَالْهِبَةِ عَلَى الْمُعْرَى وَالْوَاهِبِ وَقَالَ سَحْنُونٌ اُنْظُرْ إلَى الْعَرِيَّةِ وَالْهِبَةِ فَإِنْ كَانَتَا بِيَدِ الْمُعْرِي أَوْ الْوَاهِبِ يَسْقِي ذَلِكَ وَيَقُومُ عَلَيْهِ فَالزَّكَاةُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بِيَدِ الْمُعْرَى أَوْ الْمَوْهُوبِ يَقُومُ عَلَيْهَا وَيَأْكُلُ مِنْهَا فَالزَّكَاةُ عَلَيْهِ فَعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ حُكْمُ الْعَرِيَّةِ غَيْرُ حُكْمِ الْهِبَةِ . ( فَصْلٌ ) : وَهَذَا مَعْنَى الْعَرِيَّةِ مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ , وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ فَقَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ الْعَرِيَّةُ مِنْ النَّخْلِ الَّتِي تُعَرَّى عَنْ الْمُسَاوَمَةِ عِنْدَ بَيْعِ النَّخْلِ وَالْفِعْلُ : الْإِعْرَاءُ , وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ ثَمَرَةَ عَامِهَا لِمُحْتَاجٍ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَقَدْ قِيلَ إنَّ أَصْلَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّخْلَةِ تُعَرَّى مِنْ ثَمَرَتِهَا بِالْهِبَةِ لِثَمَرَتِهَا فَسُمِّيَتْ عَرِيَّةً لِذَلِكَ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ الْعَرِيَّةُ اسْمٌ لِلنَّخْلَةِ وَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُقَالُ مِنْ النَّخْلِ إلَّا لِمَا تُعْطَى ثَمَرَتُهُ لِأَهْلِ الْحَاجَةِ عَلَى مَعْنَى الرِّفْقِ وَالصَّدَقَةِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ إنَّ الْعَرَايَا وَاحِدَتُهَا عَرِيَّةٌ وَهِيَ النَّخْلَةُ يُعْرِيهَا صَاحِبُهَا مُحْتَاجًا وَالْإِعْرَاءُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ ثَمَرَتَهَا عَامَهَا وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْعَرِيَّةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ عَرَوْت الرَّجُلَ أَعْرَوْهُ إذَا أَتَيْته تَلْتَمِسُ بِرَّهُ وَمَعْرُوفَهُ مِنْ قوله تعالى { وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ } وَقِيلَ إنَّ مَعْنَاهُ مَأْخُوذٌ مِنْ تَخَلِّي الْإِنْسَانِ عَنْ مِلْكِهِ مِنْ الثَّمَرَةِ مِنْ قوله تعالى { فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ } يَعْنِي الْمَوْضِعَ الْخَالِيَ .
الْبَابُ الثَّانِي فِي بَيَانِ مَنْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَنْ صَارَتْ إلَيْهِ ثَمَرَةُ الْحَائِطِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ لَهُ شِرَاءُ الْعَرِيَّةِ بِمِثْلِ مَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْمُعْرِي لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ مَضَرَّةِ الشَّرِكَةِ بِدُخُولِ الْمُعْرِي وَخُرُوجِهِ كَمَا يَلْحَقُ الْمُعْرِي وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَعْرُوفِ فَيَتَحَمَّلُ الْمُشْتَرِي الْعَمَلَ وَالْمُؤْنَةُ عَلَى الْمُعْرَى كَمَا يَتَحَمَّلُهَا الْمُعْرِي وَيَجْرِي فِي ذَلِكَ مَجْرَى الزَّكَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ . ( مَسْأَلَةٌ ) : وَمَنْ صَارَتْ إلَيْهِ الْعَرِيَّةُ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ فَحُكْمُهُ فِي جَوَازِ بَيْعِهَا بِخَرْصِهَا تَمْرًا مِمَّنْ لَهُ ثَمَرَةُ الْحَائِطِ حُكْمُ الْمُعْرِي لِلْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ قَبْلَ هَذَا وَلَا يَجُوزُ التَّبَايُعُ فِيهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَدَّمْنَاهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ أَنْ تُبَاعَ الثَّمَرَةُ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ وَيَجُوزُ بَيْعُهَا لِجَمِيعِ النَّاسِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رَوَى بُسْرُ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَرَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا فَيَأْكُلَهَا أَهْلُهَا رُطَبًا } وَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ مَنْعِ ذَلِكَ بَيْعَ الْعَرَايَا بِغَيْرِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَنْعٌ يَخْتَصُّ بِالْعَرَايَا جَوَازُهُ وَالشَّافِعِيُّ يُجَوِّزُهُ فِي أَنْوَاعِ الثِّمَارِ ; لِأَنَّ كُلَّ مَا يَكُونُ مِنْ الْمُسَمَّى عِنْدَهُ عَرَايَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ إعْرَاءً وَجَائِزٌ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ فَتَبْطُلُ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ وَاسْتِثْنَاءُ الرُّخْصَةِ مِنْ الْمَنْعِ , وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ عَمَّ الْمَنْعَ وَاسْتَثْنَى مِنْ تِلْكَ الرُّخْصَةِ أَهْلَ الْعَرِيَّةِ وَهُمْ أَرْبَابُ النَّخْلِ فَوَجَبَ اخْتِصَاصُ هَذَا الْحُكْمِ بِهِمْ وَبَقِيَ الْبَاقُونَ عَلَى حُكْمِ الْمَنْعِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا بَيْعُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ فَلَمْ يَجُزْ إلَّا لِدَفْعِ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا كَانَ مَجْدُودًا وَدَلِيلٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ بِالتَّمَاثُلِ أَمْكَنُ بِالْكَيْلِ مِنْهُ بِالْخَرْصِ ; لِأَنَّ الْخَرْصَ إنَّمَا يَسْتَنِدُ إلَى الْكَيْلِ وَقَدْ ثَبَتَ وَتَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِالْكَيْلِ إذَا كَانَ مَجْدُودًا فَبِأَنْ لَا يَجُوزَ خَرْصًا أَوْلَى وَأَحْرَى .
الْبَابُ الثَّالِثُ فِي بَيَانِ مَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِيهِ مِنْ الثِّمَارِ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي النَّخْلِ وَالْعِنَبِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالثَّانِيَةُ يَجُوزُ فِي كُلِّ مَا يَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ مِنْ الثِّمَارِ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَالْفُسْتُقِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَهُوَ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ هَاتَيْنِ الثَّمَرَتَيْنِ يَخْتَصَّانِ بِالْأَكْلِ حَالَ الْإِرْطَابِ وَقَبْلَ الْيُبْسِ مِمَّا يَتَأَتَّى فِيهِ الْخَرْصُ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا مِمَّا يَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ فَثَبَتَ فِيهِ حُكْمُ الْعَرِيَّةِ كَالثَّمَرِ , وَأَمَّا الزَّيْتُونُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ إذَا كَانَ يَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ جَازَ ذَلِكَ فِيهِ بِخَرْصِهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُوضَعَ عَلَى حَالَةٍ يُدَّخَرُ عَلَيْهَا ; لِأَنَّهُ لَا يَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ وَيَكُونُ أَجَلُ بَيْعِهِ إلَى أَنْ يُمْكِنَ عَمَلُهُ بَعْدَ الْقِطَافِ وَكَذَلِكَ الْعِنَبُ إلَى أَنْ يُمْكِنَ تَزْبِيبُهُ بَعْدَ الْقِطَافِ ; لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ زَبِيبًا إلَّا بِالتَّزْبِيبِ بَعْدَ الْقِطَافِ , وَأَمَّا التِّينُ فَإِنَّ أَوْقَاتَهُ تَتَفَاوَتُ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ مِنْ أَوَّلِ أَمْرِهِ شَرَعَ فِي تَيْبِيسِهِ فَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ خَرْصَهُ مِنْهُ دُونَ شَرْطٍ يَكُونُ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ .
( الْبَابُ الرَّابِعُ ) فِي بَيَانِ مِقْدَارِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ الْعَرِيَّةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَنَحْنُ نُبَيِّنُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

( ش ) : قَوْلُهُ فَعَالَجَهُ وَقَامَ فِيهِ حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ النُّقْصَانُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ نُقْصَانُ قِيمَتِهِ عَنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ نُقْصَانُ ثَمَرِهِ عَمَّا قَدْ قُدِّرَ فِيهِ وَذَلِكَ أَيْضًا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ مِنْ أَمْرِ الثَّمَرَةِ مَعَ بَقَائِهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ حِينَ ابْتِيَاعِهَا مِنْ تَقْصِيرِهَا عَمَّا كَانَ قُدِّرَ فِيهَا وَالثَّانِي أَنْ يَتَبَيَّنَ النُّقْصَانُ بِجَائِحَةٍ طَرَأَتْ عَلَيْهَا إلَّا أَنَّ إدْخَالَ مَالِكٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ فِي هَذَا الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى الْجَائِحَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَوْرَدَ الْجُمْلَةَ عَلَى تَبَيُّنِ النُّقْصَانِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عِلَّةٌ لَهُ وَالْجَائِحَةُ مِنْ بَابِ النُّقْصَانِ فَلِذَلِكَ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ تَأَلَّى أَنْ لَا يَضَعَهَا . ( فَصْلٌ ) : وَقَوْلُهُ فَأَتَى رَبَّ الْحَائِطِ وَسَأَلَهُ أَنْ يَضَعَ عَنْهُ أَوْ يُقِيلَهُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ سَأَلَهُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الرَّغْبَةِ إلَيْهِ وَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ أَنْ يَسْتَوْضِعَ النَّاسُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا عِنْدَ الْمُتَاجَرَةِ فَذَلِكَ لَا بَأْسَ بِهِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَى عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ : غَيْرُهُ أَحْسَنُ مِنْهُ , وَجْهُ إبَاحَتِهِ أَنَّ الْإِرْفَاقَ مَعْرُوفٌ فَكَانَ مُبَاحًا لِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ كَاسْتِعَارَةِ الثَّوْبِ وَالدَّابَّةِ وَوَجْهُ اسْتِحْسَانِ غَيْرِهِ مَا فِيهِ مِنْ السُّؤَالِ وَالْخُضُوعِ وَالِامْتِهَانِ لِمَخْلُوقٍ فِي غَرَضِ دُنْيَا لَا تَدْعُو إلَيْهِ حَاجَةٌ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم { الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى } وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ لَهُ إنْ وَضَعْتَ عَنِّي وَإِلَّا خَاصَمْتُك قَالَ أَصْبَغُ أَوْ يَقُولُ إنْ وَضَعْت عَنِّي وَإِلَّا وَجَدْتُ عَيْبًا فَإِنَّ هَذَا مَمْنُوعٌ مِنْهُ . ( مَسْأَلَةٌ ) : وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ إنَّمَا سَأَلَهُ أَنْ يَضَعَ عَنْهُ بِقَدْرِ الْجَائِحَةِ الَّتِي تَثْبُتُ لَهُ عَلَى وَجْهِ اسْتِدْعَاءِ الْحَقِّ عَلَى وَجْهِ الرَّغْبَةِ وَقَوْلُهُ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا عَلَى وَجْهَيْنِ سَأَلَهُ التَّخْفِيفَ عَنْهُ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ أَوْ سَأَلَهُ أَنْ يُسْقِطَ عَنْهُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ إسْقَاطُهُ مِنْ الْجَائِحَةِ . ( فَصْلٌ ) : وَقَوْلُهُ فَذَهَبَتْ أُمُّ الْمُشْتَرِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَحْتَمِلُ أَنَّهَا مَضَتْ تَتَشَفَّعُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ امْتَنَعَ مِنْ الْوَضِيعَةِ عَلَى حَسَبِ مَا فَعَلَ جَابِرٌ حِينَ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْغُرَمَاءُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى وَجْهِ الِاسْتِفْتَاءِ وَالِاسْتِعْلَامِ لِمَا يَجِبُ لِابْنِهَا وَعَلَيْهِ فِيمَا قَضَتْ عَلَيْهِ . ( فَصْلٌ ) : وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم { تَأَلَّى أَنْ لَا يَفْعَلَ خَيْرًا } إنْكَارٌ لِحَلِفِهِ عَلَى مِثْلِ هَذَا وَتَدَبُّرٌ لِمَآلِ يَمِينِهِ أَوْ حَلِفِهِ , وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَقْتَضِي الْحُكْمَ لِلْمُشْتَرِي بِجَائِحَةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَإِنَّمَا فِيهِ إنْكَارٌ لِحَلِفِهِ أَنْ لَا يَفْعَلَ خَيْرًا فَإِنْ كَانَ بَعْدَ هَذَا يَتَقَرَّرُ مِنْ قَوْلِهِمَا مَا يُوجِبُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ حُكِمَ عَلَيْهِ بِوَضْعِ الْجَائِحَةِ , وَإِنْ تَقَرَّرَ مِنْ قَوْلِهِمَا مَا لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ فَتَأَلِّيهِ عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ خَيْرًا ثَابِتٌ فِي نَفْسِهِ . ( فَصْلٌ ) : وَقَوْلُ الْبَائِعِ لَمَّا بَلَغَهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هُوَ لَهُ إقْلَاعٌ عَمَّا أَتَاهُ مِنْ الْحَلِفِ عَلَى أَنْ لَا يَضَعَ مِنْ الْمُبْتَاعِ شَيْئًا يُبَالِغُ فِي الْإِقْلَاعِ وَالتَّوْبَةِ وَالرُّجُوعِ إلَى مُرَادِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسَارَعَةِ إلَى مَا تَبَيَّنَ لَهُ مِنْ مَذْهَبِهِ بِأَنْ وَضْع عَنْهُ أَوْ أَقَالَهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي قَوْلِهِ هُوَ لَهُ لَا أَدْرِي الْوَضِيعَةَ أَوْ الْإِقَالَةَ وَكَذَلِكَ كَانُوا رضي الله عنهم سِرَاعًا إلَى امْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ وَلِذَلِكَ كَانُوا خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ وَاخْتَارَهُمْ اللَّهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ وَنُصْرَتِهِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ . ص ( مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى بِوَضْعِ الْجَائِحَةِ قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا ) . ( ش ) : قَوْلُهُ قَضَى بِوَضْعِ الْجَائِحَةِ الْجَائِحَةُ اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُجِيحُ الْإِنْسَانَ وَيُنْقِصُهُ إلَّا أَنَّ هَذَا لَهُ عُرْفٌ فِي الشَّرْعِ وَاللُّغَةِ فَإِذَا أُطْلِقَ فُهِمَ مِنْهُ فَسَادُ الثَّمَرَةِ وَهُوَ الَّذِي وَضَعَ عُمَرُ عَنْ الْمُبْتَاعِ قَدْرَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَبِهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ إذَا كَانَتْ الْجَائِحَةُ أَذْهَبَتْ ثُلُثَ الثَّمَرَةِ فَأَكْثَرَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ جَمِيعُ ذَلِكَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ { مَنْ بَاعَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَلَا يَأْخُذْ مِنْ أَخِيهِ عَلَامَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ } وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ ثَمَرَةٌ أَصَابَتْهَا جَائِحَةٌ قَبْلَ أَنْ تَسْتَغْنِيَ عَنْ أَصْلِهَا فَجَازَ أَنْ يَرْجِعَ بِهَا عَلَى الْبَائِعِ أَصْلُهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِعَطَشٍ .

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ فِي الْجَوَائِحِ ثَلَاثَةَ أَبْوَابٍ الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَبْيِينِ مَا يَكُونُ مِنْ الْمُتْلَفَاتِ جَائِحَةً وَالْبَابُ الثَّانِي فِي تَبْيِينِ مَا تُوضَعُ فِيهِ الْجَائِحَةُ وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي مِقْدَارِ مَا يَكُونُ مِنْ ذَلِكَ جَائِحَةٌ . ( الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَبْيِينِ مَا يَكُونُ مِنْ الْمُتْلَفَاتِ جَائِحَةً ) اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَعْنَى مَا يُوضَعُ مِنْ الْجَوَائِحِ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَا لَا يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ وَإِنْ عُلِمَ بِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ جَائِحَةً وَلَا يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ إنْ عُلِمَ بِهِ فَلَا يَكُونُ جَائِحَةً كَالسَّارِقِ قَالَهُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ نَافِعٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ . وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ كُلَّ مَا أَصَابَ الثَّمَرَةَ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ فَهُوَ جَائِحَةٌ سَارِقًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَقَالَ مُطَّرِفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا يَكُونُ جَائِحَةً إلَّا مَا أَصَابَ الثَّمَرَةَ مِنْ أَمْرِ السَّمَاءِ مِنْ عَفَنٍ أَوْ بَرْدٍ أَوْ عَطَشٍ أَوْ فَسَادٍ بِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ بِكَسْرِ الشَّجَرِ , وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ صُنْعِ آدَمِيٍّ فَيَبِسَ بِجَائِحَةٍ . فَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا احْتَجَّ بِهِ لَهُ أَنَّ السَّارِقَ لَوْ عُلِمَ بِهِ لَأَمْكَنَهُ دَفْعُهُ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ جَائِحَةً ; لِأَنَّ الْمُبْتَاعَ حِينَئِذٍ مُفَرِّطٌ فِي حِفْظِ الثَّمَرَةِ وَمُضَيَّعٌ لَهَا فَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ , وَوَجْهُ رِوَايَةِ سَحْنُونٍ عَنْهُ أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ تَلِفَتْ كَانَ ذَلِكَ جَائِحَةً تُوضَعُ عَنْ الْمُشْتَرِي ; لِأَنَّ مَا تَلِفَ لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ . وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الثَّمَرَةَ فِي يَدِ الْمُبْتَاعِ قَدْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ الْبَائِعُ عَلَى نِهَايَةِ مَا يُمْكِنُهُ مِنْ التَّسْلِيمِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ حِفْظُهَا لَهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهَا إلَّا مَا كَانَ فِي جِهَةِ الْأَصْلِ لِاسْتِحْقَاقِهِ عَلَيْهِ السَّقْيَ إلَى تَنَاهِي نُضْجِهَا وَكَمَالِ صَلَاحِهَا وَلَوْ كَانَ يَضْمَنُهَا بِالسَّارِقِ وَالْعَطَشِ لَكَانَ عَلَيْهِ حِفْظُهَا وَذَلِكَ لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ . ( مَسْأَلَةٌ ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْجَائِحَةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ جَائِحَةٌ مِنْ قِبَلِ الْمَاءِ وَجَائِحَةٌ مِنْ قِبَلِ غَيْرِ الْمَاءِ فَأَمَّا الْجَائِحَةُ مِنْ قِبَلِ الْمَاءِ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ قِبَلِ الْعَطَشِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْوَاضِحَةِ يُوضَعُ قَلِيلُ ذَلِكَ وَكَثِيرُهُ كَانَتْ شُرْبَ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ مَنْفَعَةٌ مِنْ شَرْطِ تَمَامِهَا السَّقْيُ فَوَجَبَ أَنْ يُوضَعَ عَنْ الْمُشْتَرِي قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا كَمَنْفَعَةِ الْأَرْضِ الْمُكْتَرَاةِ , وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْجَوَائِحِ أَنَّ سَائِرَ الْجَوَائِحِ لَا تَنْفَكُّ الثَّمَرَةُ مِنْ يَسِيرِهَا وَهَذِهِ تَنْفَكُّ الثَّمَرَةُ مِنْ يَسِيرِهَا فَالْمُشْتَرِي دَاخِلٌ عَلَى السَّلَامَةِ مِنْهَا وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَى سَلَامَتِهَا مِنْ يَسِيرِ الْعَفَنِ وَالْأَكْلِ , وَأَمَّا الْجَائِحَةُ بِكَثْرَةِ الْمَطَرِ فَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْعَفَنِ فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ سَائِرِ الْعَفَنِ يَصِحُّ كَثِيرُهُ دُونَ قَلِيلِهِ .
الْبَابُ الثَّانِي فِي تَبْيِينِ مَا تُوضَعُ فِيهِ الْجَائِحَةُ أَمَّا مَا يُعْتَبَرُ بِهِ فِي وَضْعِ الْجَائِحَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا : جِنْسُ الثَّمَرَةِ وَالثَّانِي مَعْنًى يَقْتَرِنُ بِهَا , فَأَمَّا جِنْسُ الثَّمَرَةِ فَهُوَ كُلُّ بَيْعٍ يُحْتَاجُ إلَى بَقَائِهِ فِي أَصْلِهِ , وَحَاجَتُهُ إلَى ذَلِكَ تَكُونُ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لِانْتِهَاءِ صَلَاحِهَا وَطِيبِهَا كَثَمَرَةِ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ إذَا اُشْتُرِيَ عِنْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَكَثَمَرَةِ التُّفَّاحِ وَالتَّمْرِ وَالْبِطِّيخِ وَالْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَالْفُولِ وَالْجُلْبَانِ , وَالثَّانِي يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِبَقَاءِ رُطُوبَتِهِ وَنَضَارَتِهِ كَثَمَرَةِ الْعِنَبِ اُشْتُرِيَتْ بَعْدَ انْتِهَاءِ طِيبِهَا وَكَالْبُقُولِ وَالْقَصِيلِ وَالْأُصُولِ الْمَغِيبَةِ مِنْ الْجَزَرِ وَالسَّلْجَمِ وَالْبَصَلِ وَالثُّومِ . فَأَمَّا مَا يُحْتَاجُ إلَى بَقَائِهِ فِي أَصْلِهِ لِتَمَامِ صَلَاحِهِ فَلَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِي وَضْعِ الْجَائِحَةِ فِيهِ , وَأَمَّا مَا لَا يُحْتَاجُ إلَى بَقَائِهِ فِي أَصْلِهِ لِتَمَامِ صَلَاحِهِ وَلَا لِبَقَاءِ نَضَارَتِهِ كَالتَّمْرِ الْيَابِسِ وَالزَّرْعِ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يُوضَعُ فِيهِ جَائِحَةٌ ; لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ قَدْ كَمُلَ بِتَخَلِّي الْبَائِعِ عَنْهُ إلَى الْمُبْتَاعِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي أَصْلِهِ مَنْفَعَةٌ مُسْتَثْنَاةٌ يَسْتَنْظِرُ اسْتِيفَاءَهَا فَصَارَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الصُّبْرَةِ الْمَوْضُوعَةِ فِي الْأَصْلِ .
الْبَابُ الثَّالِثُ فِي تَبْيِينِ مِقْدَارِ الْجَائِحَةِ الَّتِي تُوضَعُ وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمَبِيعَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ : ثِمَارُ التِّينِ وَالتَّمْرِ وَالْعِنَبِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهَا مِنْ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالتُّفَّاحِ فَهَذِهِ يُرَاعَى فِي جَوَائِحِهَا الثُّلُثُ فَإِنْ قَصُرَتْ الْجَائِحَةُ عَنْ الثُّلُثِ لَمْ يُوضَعْ عَنْ الْمُشْتَرِي مِنْهَا وَإِنْ بَلَغَتْ الثُّلُثَ وُضِعَ عَنْهُ جَمِيعُهَا .

·

Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article