Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
albasseira.overblog.com

un blog qui traite des sujets sur l'islam

شرح الموطاء كتاب البيوع الجزء10

شرح الموطاء كتاب البيوع الجزء10

( ش ) : قَوْلُهُ إنِّي أَبْتَاعُ طَعَامًا يَكُونُ فِي الصُّكُوكِ بِالْجَارِ يُرِيدُ مِنْ الصُّكُوكِ الَّتِي تَخْرُجُ بِالْأَعْطِيَةِ لِأَهْلِهَا عَلَى وَجْهِ الْهِبَةِ وَالْعَطِيَّةِ الْمَحْضَةِ دُونَ وَجْهٍ مِنْ الْمُعَارَضَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ فَيَبِيعُهَا فَكَانَ هَذَا يَبْتَاعُهَا , وَيَتَّجِرُ فِيهَا فَرُبَّمَا ابْتَاعَ الْجُمْلَةَ مِنْهَا بِدِينَارٍ وَنِصْفِ دِرْهَمٍ إمَّا لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ عَلَى سِعْرٍ مَا فَأَدَّى الْحِسَابَ فِي الْجُمْلَةِ إلَى دِينَارٍ وَنِصْفِ دِرْهَمٍ . وَإِمَّا لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ بِهَذَا الْعَدَدِ حِينَ لَمْ يُجِبْ الْبَائِعُ إلَى الْبَيْعِ بِدِينَارٍ , وَلَا رَضِيَهُ الْمُبْتَاعُ بِدِينَارٍ وَدِرْهَمٍ فَاتَّفَقَا عَلَى دِينَارٍ وَنِصْفِ دِرْهَمٍ , وَكَانَتْ الدَّرَاهِمُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ صِحَاحًا فَكَانَ مَنْ اسْتَحَقَّ عَلَى آخَرَ نِصْفَ دِرْهَمٍ أَخَذَ بِهِ عَرْضًا لِعَدَمِ الْإِنْصَافِ فَأَرَادَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ أَنْ يَدْفَعَ طَعَامًا بِنِصْفِ الدِّرْهَمِ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ رضي الله عنه وَذَلِكَ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الطَّعَامِ بِعَيْنِهِ , وَالثَّانِي أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْ ذَلِكَ الطَّعَامِ بِعَيْنِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُقَاضِيَهُ بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَهُ أَوْ يُعْطِيَهُ إيَّاهُ بَعْدَ اسْتِيفَائِهِ فَإِنْ أَعْطَاهُ إيَّاهُ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ فَقَدْ حَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ إلَّا أَنْ يَعْرِفَا الصَّرْفَ , وَيَتَقَايَلَا بِمِقْدَارِ النِّصْفِ دِرْهَمٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَإِنْ أَعْطَاهُ إيَّاهُ بَعْدَ قَبْضِهِ وَمَغِيبِ الْمُبْتَاعِ عَلَيْهِ , وَقَالَ إنَّهُ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ طَعَامًا مِنْهُ , وَلَا مِنْ غَيْرِهِ مِنْ جِنْسِهِ , وَلَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ . وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ يَمْنَعُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ ; لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَثَرِ قَوْلِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ , وَإِنَّمَا كَرِهَ لَهُ سَعِيدٌ أَنْ يُعْطِيَ دِينَارًا وَنِصْفَ دِرْهَمٍ ; لِأَنَّ النِّصْفَ دِرْهَمٍ إنَّمَا هُوَ طَعَامٌ فَكَرِهَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ دِينَارًا أَوْ طَعَامًا بِطَعَامٍ قَالَ مَالِكٌ : وَلَوْ كَانَ النِّصْفُ دِرْهَمٍ وَرِقًا أَوْ غَيْرَ الطَّعَامِ فَمَا كَانَ بِذَلِكَ بَأْسٌ فَإِنَّمَا كَرِهَهُ مَالِكٌ مِنْ وَجْهِ التَّفَاضُلِ بَيْنَ الطَّعَامَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ , وَلَمْ يَذْكُرْ بَيْعَ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ . وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى بِدِينَارٍ قَمْحًا فَلَمَّا وَجَبَ الْبَيْعُ لَمْ يَجِدْ إلَّا دِينَارًا نَاقِصًا فَأَرَادَ أَنْ يَضَعَ بِقَدْرِ النُّقْصَانِ , وَيَأْخُذَ مِنْهُ دِينَارًا نَاقِصًا فَكَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ . وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِيمَنْ ابْتَاعَ بِدِينَارٍ لَحْمًا فَلَمْ يَجِدْ إلَّا دِينَارًا نَاقِصًا فَقَالَ لَهُ خُذْ مِنْ اللَّحْمِ بِنِصْفِ الدِّينَارِ يَدْخُلُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ الْفَسَادِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ أَوَاقْتِضَاءُ طَعَامٍ مِنْ طَعَامٍ , وَالتَّفَاضُلُ فِي الطَّعَامِ , وَالتَّفَاضُلُ فِي الْوَرِقِ . وَيَدْخُلُ بَعْضَ الْقَبْضِ ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ , وَفِي كِتَابِ ابْنِ مُزَيْنٍ إنَّمَا كَرِهَهُ ; لِأَنَّهُ إذَا أَعْطَاهُ مِنْ تِلْكَ الْحِنْطَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا فَهُوَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ , وَإِنْ أَعْطَاهُ حِنْطَةً مِنْ غَيْرِ تِلْكَ الْحِنْطَةِ لَمْ يَجُزْ ; لِأَنَّهُ دِينَارٌ وَحِنْطَةٌ , وَبِفِضَّةٍ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ يُجِيزُ الْإِقَالَةَ فِي الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا , وَلَكِنْ أَرَى الْعِلَّةَ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ لَمَّا أَقَالَهُ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ حِصَّةٌ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَأَعْطَاهُ لَمَّا قَايَلَ مِنْ الذَّهَبِ فِضَّةً قَبْلَ قَبْضِ الطَّعَامِ , وَأَيْضًا فَإِنَّ ثَمَنَ مَا يُقِيلُهُ مِنْهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْقِيمَةِ . ( مَسْأَلَةٌ ) : وَأَمَّا إذَا اسْتَوْفَاهُ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ مِنْهُ إلَّا بِقَدْرِ نِصْفِ الدِّرْهَمِ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ , وَلَا يَصِحُّ فِيهِ الْإِقَالَةُ ; لِأَنَّ الطَّعَامَ الَّذِي رَدَّ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الدِّينَارِ , وَمِنْ النِّصْفِ الدِّرْهَمِ فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقِيلَهُ مِنْهُ بِفِضَّةٍ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ , وَالْأَظْهَرُ أَنَّ هَذَا صَوَابٌ ; لِأَنَّهُ إنَّمَا يُرَاعَى هَذَا فِي فَسَادِ الْإِقَالَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ , وَأَمَّا بَعْدَ قَبْضِهِ فَذَلِكَ ; لِأَنَّ بَيْعَهُ حِينَئِذٍ جَائِزٌ , وَقَدْ قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ , وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدِي , وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ صَحِيحٌ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ غَيْرَ أَنَّهُ يَدْخُلُهُ مِنْ مَنْعِ الذَّرَائِعِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِمَّا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ , وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ , وَمَا يَقْتَضِيه تَعْلِيلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ .

( ش ) : قَوْلُهُ رضي الله عنه لَا حُكْرَةَ فِي سُوقِنَا يُرِيدُ مِنْ الْمَنْعِ مِنْ الِاحْتِكَارِ فِي سُوقِ الْمَدِينَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ ; لِأَنَّ غَالِبَ أَحْوَالِهَا غَلَاءُ الْأَسْعَارِ وَقِلَّةُ الْأَقْوَاتِ وَضِيقُهَا عَلَى الْمُتَقَوَّتِينَ بِهَا , وَذَلِكَ يَمْنَعُ الِادِّخَارَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ فِي أَقْوَاتِهِمْ , وَفِي هَذَا أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ أَحَدُهَا بَيَانُ مَعْنَى الِاحْتِكَارِ وَحُكْمُهُ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي بَيَانِ مَعْنَى الْوَقْتِ الَّذِي يُمْنَعُ فِيهِ الِادِّخَارُ وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي بَيَانِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الِاحْتِكَارِ الْبَابُ الرَّابِعُ فِي بَيَانِ مَنْ يَمْنَعُ مِنْ الِاحْتِكَارِ . ( الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ مَعْنَى الِاحْتِكَارِ وَحُكْمِهِ ) . إنَّ الِاحْتِكَارَ هُوَ الِادِّخَارُ لِلْمَبِيعِ , وَطَلَبُ الرِّبْحِ بِتَقَلُّبِ الْأَسْوَاقِ فَأَمَّا الِادِّخَارُ لِلْقُوتِ فَلَيْسَ مِنْ بَابِ الِاحْتِكَارِ . ( مَسْأَلَةٌ ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ احْتِكَارَ الْأَقْوَاتِ وَغَيْرِهَا لَيْسَ بِمَمْنُوعٍ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ التَّرَبُّصِ بِالطَّعَامِ وَغَيْرِهِ رَجَاءَ الْغَلَاءِ قَالَ مَا عَلِمْت فِيهِ بِنَهْيٍ , وَلَا أَعْلَمُ بِهِ بَأْسًا يَحْبِسُ إذَا شَاءَ وَيَبِيعُهُ إذَا شَاءَ , وَيُخْرِجُهُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ قِيلَ لِمَالِكٍ فَمَنْ يَبْتَاعُ الطَّعَامَ فَيُحِبُّ غَلَاءَهُ قَالَ مَا مِنْ أَحَدٍ يَبْتَاعُ طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ إلَّا , وَيُحِبُّ غَلَاءَهُ .

( الْبَابُ الثَّانِي فِي بَيَانِ مَعْنَى الْوَقْتِ الَّذِي يُمْنَعُ فِيهِ الِادِّخَارُ ) . إنَّ لِذَلِكَ حَالَتَيْنِ : أَحَدُهُمَا : حَالُ ضَرُورَةٍ وَضِيقٍ فَهَذَا حَالٌ يُمْنَعُ فِيهَا مِنْ الِاحْتِكَارِ , وَلَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ فِي ذَلِكَ , وَالثَّانِي حَالُ كَثْرَةٍ وَسَعَةٍ فَهَاهُنَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَاَلَّذِي رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ فِيهَا مِنْ احْتِكَارِ شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ قَالَ مَالِكٌ وَمِمَّا يَعِيبُهُ مَنْ مَضَى , وَيَرَوْنَهُ ظُلْمًا مَنَعَ التَّجْرَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُضِرًّا بِالنَّاسِ , وَلَا بِأَسْوَاقِهِ , وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ , وَابْنُ الْمَاجِشُونَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ احْتِكَارَ الطَّعَامِ يُمْنَعُ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَأَمَّا غَيْرُ الطَّعَامِ فَلَا يُمْنَعُ احْتِكَارُهُ إلَّا فِي وَقْتِ الضَّرُورَةِ دُونَ وَقْتِ السَّعَةِ , وَجْهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يُمْنَعَ فِي وَقْتِ السَّعَةِ مَنْعُ أَهْلِ الِاحْتِكَارِ مَنْفَعَةٌ لَا مَضَرَّةٌ عَلَى غَيْرِهِمْ فِي إبَاحَتِهَا , وَلَا مَنْفَعَةَ لَهُمْ فِي مَنْعِهَا , وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُمْنَعُوا الشُّرْبَ مِنْ الدِّجْلَةِ . ( فَرْعٌ ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ مُطَّرِفٍ , وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فَإِنَّ جَمِيعَ الْقَطَانِيِّ وَالْحُبُوبِ الَّتِي هِيَ لِلْقُوتِ وَالْعُلُوفَةِ يَتَعَلَّقُ بِهَا هَذَا الْمَنْعُ , وَكَذَلِكَ الزَّيْتُ وَالْعَسَلُ وَالسَّمْنُ وَالزَّبِيبُ وَالتِّينُ وَشَبَهُهَا فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْقَمْحِ رَوَاهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ حَبِيبٍ .

( الْبَابُ الثَّالِثُ وَهُوَ مَا يُمْنَعُ مِنْ احْتِكَارِهِ ) . فَاَلَّذِي رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ , وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الطَّعَامَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَجَمِيعِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ فَيُمْنَعُ مِنْ احْتِكَارِهِ مَا أَضَرَّ ذَلِكَ بِالنَّاسِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مِمَّا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ لِمَصَالِحِ النَّاسِ فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعُ مِنْ إدْخَالِ الْمَضَرَّةِ عَلَيْهِمْ بِاحْتِكَارِهِ كَالطَّعَامِ .

( الْبَابُ الرَّابِعُ فِي بَيَانِ مَا يُمْنَعُ مِنْ الِاحْتِكَارِ ) . أَمَّا مَا يُمْنَعُ مِنْ الِاحْتِكَارِ فَإِنَّ النَّاسَ فِي ذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ صَارَ إلَيْهِ بِزِرَاعَتِهِ أَوْ جِلَابِهِ بِهِ فَهَذَا لَا يُمْنَعُ مِنْ احْتِكَارِهِ , وَلَا مِنْ اسْتِدَامَةِ إمْسَاكِهِ مَا شَاءَ كَانَ ذَلِكَ ضَرُورَةٌ أَوْ غَيْرَهَا رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ يَبِيعُ هَذَا مَتَى شَاءَ , وَيُمْسِكُ إذَا شَاءَ بِالْمَدِينَةِ , وَغَيْرِهَا . ( مَسْأَلَةٌ ) : وَالضَّرْبُ الثَّانِي مَنْ صَارَ إلَيْهِ الطَّعَامُ بِابْتِيَاعٍ بِالْبَلَدِ فَإِنَّ الْمَنْعَ يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي وَقْتَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَبْتَاعَهُ فِي وَقْتِ ضَرُورَةٍ . وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ ذَلِكَ , وَالثَّانِي أَنْ يَبْتَاعَهُ فِي وَقْتِ سَعَةٍ , وَجَوَازِ الشِّرَاءِ ثُمَّ تَلْحَقُ النَّاسَ شِدَّةٌ , وَضَرُورَةٌ إلَى الطَّعَامِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قِيلَ لِمَالِكٍ فَإِذَا كَانَ الْغَلَاءُ الشَّدِيدُ , وَعِنْدَ النَّاسِ طَعَامٌ مَخْزُونٌ أَيُبَاعُ عَلَيْهِمْ قَالَ مَا سَمِعْته , وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَإِذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ طَعَامٌ مَخْزُونٌ , وَاحْتِيجَ إلَيْهِ لِلْغَلَاءِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْمُرَ الْإِمَامُ بِإِخْرَاجِهِ إلَى السُّوقِ فَيُبَاعَ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُمْ شِرَاؤُهُ لِيَكُونَ عُدَّةً لِلنَّاسِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ . ( مَسْأَلَةٌ ) : وَإِنْ احْتَكَرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ احْتِكَارُهُ فَفِي كِتَابِ ابْنِ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ يَتُوبُ , وَيُخْرِجُهُ إلَى السُّوقِ , وَيَبِيعُهُ مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ لَا يَزْدَادُ فِيهِ شَيْئًا , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَنْعَ قَدْ تَعَلَّقَ بِشِرَائِهِ لِحَقِّ النَّاسِ , وَأَهْلِ الْحَاجَةِ فَإِذَا صَرَفَهُ إلَيْهِمْ بِمِثْلِ مَا كَانُوا يَأْخُذُونَهُ أَوَّلًا حِين ابْتِيَاعِهِ إيَّاهُ فَقَدْ رَجَعَ عَنْ فِعْلِهِ الْمَمْنُوعِ مِنْهُ . ( مَسْأَلَةٌ ) : فَإِنْ أَبَى مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُخْرَجُ مِنْ يَدِهِ إلَى أَهْلِ السُّوقِ يَشْتَرِكُونَ فِيهِ بِالثَّمَنِ فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ ثَمَنُهُ فَبِسِعْرِهِ يَوْمَ احْتِكَارِهِ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ هَذَا الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَفْعَلْهُ أُجْبِرَ عَلَيْهِ , وَصُرِفَ الْحَقُّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ . ( فَصْلٌ ) : وَقَوْلُهُ وَلَكِنْ أَيُّمَا جَالِبٍ جَلَبَ عَلَى عَمُودِ كَبَدِهِ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مَعْنَاهُ جَلَبَ فِي قَلْبِ الشِّتَاءِ وَشِدَّةِ بَرْدِهِ وَقَلْبِ الصَّيْفِ وَشِدَّةِ حَرِّهِ فَيَلْقَى النَّصَبَ فِي سَفَرِهِ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رضي الله عنه إنَّ مَعْنَاهُ عَلَى مَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ مِنْ كَبَدِهِ , وَيُرِيدُ بِذَلِكَ إنْ كَانَ يَجْلِبُ عَلَى ظَهْرِهِ أَوْ عَلَى ظَهْرِ دَابَّتِهِ فَأَضَافَ كَبِدَهَا إلَيْهِ بِحَقِّ مِلْكِهِ لَهَا , وَاخْتِصَاصِهَا بِهِ . ( فَصْلٌ ) : وَقَوْلُهُ رضي الله عنه فَذَلِكَ ضَيْفُ عُمَرَ فَلْيَبِعْ كَيْفَ شَاءَ اللَّهُ , وَلْيُمْسِكْ كَيْفَ شَاءَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنَّ عُمَرَ يَمْنَعُهُ مِمَّنْ أَرَادَ إجْبَارَهُ عَلَى الْبَيْعِ , وَأَضَافَ الْمَشِيئَةَ إلَى اللَّهِ لقوله تعالى { , وَمَا تَشَاءُونَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } فَلَا يَشَاءُ الْجَالِبُ الْبَيْعَ وَالْإِمْسَاكَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

( ش ) : قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه إمَّا أَنْ تَزِيدَ فِي السِّعْرِ , وَإِمَّا أَنْ تَرْفَعَ مِنْ سُوقِنَا رَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ كَانَ يَبِيعُ دُونَ سِعْرِ النَّاسِ فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَلْحَقَ بِسِعْرِ النَّاسِ أَوْ يَقُومَ مِنْ السُّوقِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رضي الله عنه وَالتَّسْعِيرُ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا : هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ مَنْ حَطَّ مِنْ سِعْرِ النَّاسِ أُمِرَ أَنْ يَلْحَقَ بِسِعْرِهِمْ أَوْ يَقُومَ مِنْ السُّوقِ , وَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ أَحَدُهَا فِي تَبْيِينِ السِّعْرِ الَّذِي يُؤْمَرُ مَنْ حَطَّ عَنْهُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي تَبْيِينِ مَنْ يَخْتَصُّ بِهِ ذَلِكَ مِنْ الْبَائِعِينَ وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي تَبْيِينِ مَا يَخْتَصُّ بِهِ ذَلِكَ مِنْ الْمَبِيعَاتِ . ( الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَبْيِينِ السِّعْرِ الَّذِي يُؤْمَرُ مَنْ حَطَّ عَنْهُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ ) . وَاَلَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ فِي ذَلِكَ مِنْ السِّعْرِ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ النَّاسِ فَإِذَا انْفَرَدَ عَنْهُمْ الْوَاحِدُ أَوْ الْعَدَدُ الْيَسِيرُ بِحَطِّ السِّعْرِ أُمِرَ مَنْ حَطَّهُ بِاللَّحَاقِ بِسِعْرِ النَّاسِ أَوْ تَرْكِ الْبَيْعِ . ( مَسْأَلَةٌ ) : فَإِنْ زَادَ فِي السِّعْرِ وَاحِدٌ أَوْ عَدَدٌ يَسِيرٌ لَمْ يُؤْمَرْ الْجُمْهُورُ بِاللَّحَاقِ بِسِعْرِهِ أَوْ الِامْتِنَاعِ مِنْ الْبَيْعِ ; لِأَنَّ مَنْ بَاعَ بِهِ مِنْ الزِّيَادَةِ لَيْسَ السِّعْرُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ , وَلَا بِمَا تُقَامُ بِهِ الْمَبِيعَاتُ , وَإِنَّمَا يُرَاعَى فِي ذَلِكَ حَالُ الْجُمْهُورِ , وَمُعْظَمُ النَّاسِ , وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يُقَامُ النَّاسُ لِخَمْسَةٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ , وَعِنْدِي أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُنْظَرَ فِي ذَلِكَ إلَى قَدْرِ الْأَسْوَاقِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ .

الْبَابُ الثَّانِي فِي تَبْيِينِ مَنْ يَخْتَصُّ بِهِ ذَلِكَ مِنْ الْبَائِعِينَ ) لَا خِلَافَ فِي أَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ أَهْلِ السُّوقِ وَالْبَاعَةِ فِيهِ , وَأَمَّا الْجَالِبُ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ لَا يُمْنَعُ الْجَالِبُ أَنْ يَبِيعَ فِي السُّوقِ دُونَ بَيْعِ النَّاسِ , وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَبِيعُونَ مَا عَدَا الْقَمْحَ وَالشَّعِيرَ إلَّا بِمِثْلِ سِعْرِ النَّاسِ , وَإِلَّا رَفَعُوا كَأَهْلِ الْأَسْوَاقِ وَجْهُ مَا فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْجَالِبَ يُسَامَحُ , وَيُسْتَدَامُ أَمْرُهُ لِيَكْثُرَ مَا يَجْلِبُهُ مَعَ أَنَّ مَا يَجْلِبُهُ لَيْسَ مِنْ أَقْوَاتِ الْبَلَدِ , وَهُوَ يُدْخِلُ الرِّفْقَ عَلَيْهِمْ بِمَا يَجْلِبُهُ فَرُبَّمَا أَدَّى التَّحْجِيرُ عَلَيْهِ إلَى قَطْعِ الْمِيرَةِ , وَالْبَائِعُ بِالْبَلَدِ إنَّمَا يَبِيعُ أَقْوَاتَهُمْ الْمُخْتَصَّةَ بِهِمْ , وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْعُدُولِ بِهَا عَنْهُمْ فِي الْأَغْلَبِ , وَلِهَذَا فَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْرَةِ وَقْتَ الضَّرُورَةِ , وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ هَذَا بَائِعٌ فِي السُّوقِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحُطَّ عَنْ سِعْرِهِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مُفْسِدٌ لِسِعْرِ النَّاسِ كَأَهْلِ الْبَلَدِ قَالَ فَأَمَّا جَالِبُ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَبِيعُ كَيْفَ شَاءَ إلَّا أَنَّ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ حُكْمُ أَهْلِ السُّوقِ , وَإِنْ أَرْخَصَ بَعْضُهُمْ تُرِكُوا إنْ قَلَّ مَنْ حَطَّ السِّعْرَ , وَإِنْ كَثُرَ الْمُرْخِصُونَ قِيلَ لِمَنْ بَقِيَ إمَّا أَنْ تَبِيعَ كَبَيْعِهِمْ , وَإِمَّا أَنْ تَرْفَعَ . ( مَسْأَلَةٌ ) : إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ لِلطَّعَامِ مِنْ أَهْلِ السُّوقِ هَلْ يُمْنَعُ مِنْ بَيْعِهِ فِي دَارٍ بِسِعْرِ السُّوقِ , وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ , وَيَنْبَغِي فِي الطَّعَامِ أَنْ يَخْرُجَ إلَى السُّوقِ كَمَا جَاءَ الْحَدِيثُ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ بَيْعَهُ فِي الدُّورِ إعْزَازٌ لَهُ , وَسَبَبٌ إلَى غَلَائِهِ , وَتَطَرُّقٌ لِيَبِيعَهُ الْبَائِعُ كَيْفَ شَاءَ بِدُونِ سِعْرِ أَهْلِ السُّوقِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ لَهُ ذَلِكَ فِي السُّوقِ فَإِنْ كَانَ جَالِبًا فَلْيَبِعْهُ فِي السُّوقِ أَوْ فِي الدَّارِ إنْ شَاءَ عَلَى يَدِهِ .

( الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ ذَلِكَ مِنْ الْمَبِيعَاتِ ) . أَمَّا مَا يَخْتَصُّ بِهِ ذَلِكَ مِنْ الْمَبِيعَاتِ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّ ذَلِكَ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ مَأْكُولًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْمَبِيعَاتِ الَّتِي لَا تُكَالُ , وَلَا تُوزَنُ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ مِمَّا يَرْجِعُ إلَى الْمِثْلِ فَلِذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ النَّاسُ فِيهِ عَلَى سِعْرٍ وَاحِدٍ , وَغَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لَا يَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْمِثْلِ , وَإِنَّمَا يَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْقِيمَةِ , وَيَكْثُرُ اخْتِلَافُ الْأَغْرَاضِ فِي أَعْيَانِهِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ مُتَمَاثِلًا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَحْمِلَ النَّاسَ فِيهِ عَلَى سِعْرٍ وَاحِدٍ , وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ مُتَسَاوِيًا فِي الْجَوْدَةِ فَإِذَا اخْتَلَفَ صِنْفُهُ لَمْ يُؤْمَرْ مَنْ بَاعَ الْجَيِّدَ أَنْ يَبِيعَهُ بِمِثْلِ سِعْرِ مَا هُوَ أَدْوَنُ ; لِأَنَّ الْجَوْدَةَ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ كَالْمِقْدَارِ . ( مَسْأَلَةٌ ) : وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ التَّسْعِيرِ فَهُوَ أَنْ يُحَدَّ لِأَهْلِ السُّوقِ سِعْرٌ لِيَبِيعُونَ عَلَيْهِ فَلَا يَتَجَاوَزُونَهُ فَهَذَا مَنَعَ مِنْهُ مَالِكٌ , وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ , وَأَرْخَصَ فِيهِ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَرَبِيعَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ , وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي صَاحِبِ السُّوقِ يُسَعِّرُ عَلَى الْجَزَّارِينَ لَحْمَ الضَّأْنِ ثُلُثَ رِطْلٍ , وَلَحْمَ الْإِبِلِ نِصْفَ رِطْلٍ , وَإِلَّا خَرَجُوا مِنْ السُّوقِ قَالَ إذَا سَعَّرَ عَلَيْهِمْ قَدْرَ مَا يَرَى مِنْ شِرَائِهِمْ فَلَا بَأْسَ بِهِ , وَلَكِنْ أَخَافُ أَنْ يَقُومُوا مِنْ السُّوقِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ { جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ لَنَا فَقَالَ بَلْ اُدْعُوا اللَّهَ ثُمَّ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ لَنَا فَقَالَ بَلْ اللَّهُ يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ , وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ , وَلَيْسَتْ لِأَحَدٍ عِنْدِي مَظْلَمَةٌ } , وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ إجْبَارَ النَّاسِ عَلَى بَيْعِ أَمْوَالِهِمْ بِغَيْرِ مَا تَطِيبُ بِهِ أَنْفُسُهُمْ ظُلْمٌ لَهُمْ مُنَافٍ لِمِلْكِهَا لَهُمْ , وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا يَجِبُ مِنْ النَّظَرِ فِي مَصَالِحِ الْعَامَّةِ , وَالْمَنْعُ مِنْ إغْلَاءِ السِّعْرِ عَلَيْهِمْ وَالْإِفْسَادِ عَلَيْهِمْ , وَلَيْسَ يُجْبَرُ النَّاسُ عَلَى الْبَيْعِ , وَإِنَّمَا يُمْنَعُونَ مِنْ الْبَيْعِ بِغَيْرِ السِّعْرِ الَّذِي يَحُدُّهُ الْإِمَامُ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى مِنْ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ لِلْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ , وَلَا يَمْنَعُ الْبَائِعَ رِبْحًا , وَلَا يَسُوغُ لَهُ مِنْهُ مَا يَضُرُّ بِالنَّاسِ .

( فَرْعٌ ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ أَشْهَبَ فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ أَحَدُهَا فِي صِفَةِ التَّسْعِيرِ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي ذِكْرِ مَنْ يُسَعِّرُ عَلَيْهِ وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّسْعِيرُ مِنْ الْمَبِيعَاتِ ( الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ التَّسْعِيرِ ) . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْمَعَ وُجُوهَ أَهْلِ سُوقِ ذَلِكَ الشَّيْءِ , وَيُحْضِرَ غَيْرَهُمْ اسْتِظْهَارًا عَلَى صِدْقِهِمْ فَيَسْأَلُهُمْ كَيْفَ يَشْتَرُونَ , وَكَيْفَ يَبِيعُونَ فَيُنَازِلُهُمْ إلَى مَا فِيهِ لَهُمْ , وَلِلْعَامَّةِ سَدَادٌ حَتَّى يَرْضَوْا بِهِ قَالَ : وَلَا يُجْبَرُونَ عَلَى التَّسْعِيرِ , وَلَكِنْ عَنْ رِضًا , وَعَلَى هَذَا أَجَازَهُ مَنْ أَجَازَهُ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ بِهَذَا يُتَوَصَّلُ إلَى مَعْرِفَةِ مَصَالِحِ الْبَاعَةِ وَالْمُشْتَرِينَ , وَيَجْعَلُ لِلْبَاعَةِ فِي ذَلِكَ مِنْ الرِّبْحِ مَا يَقُومُ بِهِمْ , وَلَا يَكُونُ فِيهِ إجْحَافٌ بِالنَّاسِ , وَإِذَا سَعَّرَ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ رِضًا بِمَا لَا رِبْحَ لَهُمْ فِيهِ أَدَّى ذَلِكَ إلَى فَسَادِ الْأَسْعَارِ , وَإِخْفَاءِ الْأَقْوَاتِ , وَإِتْلَافِ أَمْوَالِ النَّاسِ .

( الْبَابُ الثَّانِي فِي ذِكْرِ مَنْ يُسَعِّرُ عَلَيْهِمْ ) . أَمَّا مَنْ يُسَعِّرُ عَلَيْهِمْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَهُمْ أَهْلُ الْأَسْوَاقِ , وَأَمَّا الْجَالِبُ فَلَا يُسَعَّرُ عَلَيْهِ شَيْءٌ إلَّا أَنَّ مَا يَجْلِبُهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَصْلُ الْقُوتِ , وَهُوَ الْقَمْحُ أَوْ الشَّعِيرُ فَهَذَا لَا يُسَعَّرُ عَلَيْهِ بِرِضَاهُ , وَلَا بِغَيْرِ رِضَاهُ , وَلْيَبِعْ كَيْفَ شَاءَ وَأَمْكَنَهُ إذَا اتَّفَقُوا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فَإِنْ اخْتَلَفُوا فَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ قَبْلَ هَذَا , وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ . ( مَسْأَلَةٌ ) : وَأَمَّا جَالِبُ الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَاللَّحْمِ وَالْبَقْلِ وَالْفَوَاكِهِ , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَشْتَرِيه أَهْلُ السُّوقِ لِلْبَيْعِ عَلَى أَيْدِيهِمْ فَهَذَا أَيْضًا لَا يُسَعَّرُ عَلَى الْجَالِبِ وَلَا يُقْصَدُ بِالتَّسْعِيرِ , وَلَكِنَّهُ إذَا اسْتَقَرَّ أَمْرُ أَهْلِ السُّوقِ عَلَى سِعْرٍ قِيلَ لَهُ إمَّا أَنْ تَلْحَقَ بِهِ , وَإِلَّا فَأُخْرِجَ عَنْهُ .

( الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّسْعِيرُ مِنْ الْمَبِيعَاتِ ) . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَهَذَا فِيمَا عَدَا الْقُطْنِ وَالْبَزِّ , وَيَجِبُ أَنْ يَخْتَصَّ التَّسْعِيرُ بِالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ , وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يُمْكِنُ تَسْعِيرُهُ لِعَدَمِ التَّمَاثُلِ فِيهِ , وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ مِنْ قَبْلِ هَذَا .

( ش ) : قَوْلُهُ بَاعَ جَمَلًا لَهُ يُدْعَى عُصَيْفِيرًا بِعِشْرِينَ بَعِيرًا إلَى أَجَلٍ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ بَيْعِ الْجِنْسِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا إلَى أَجَلٍ إذَا تَبَايَنَتْ الْأَغْرَاضُ فِيهِ , وَقَدَّمْنَا مِنْ قَبْلُ أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْإِبِلِ الْقُوَّةُ عَلَى الْحَمْلِ فَإِذَا كَانَ هَذَا الْجَمَلُ مَشْهُورًا بِالْقُوَّةِ عَلَى الْحَمْلِ مَا يُنَافِيه غَايَةُ فِي بَابِهِ جَازَ بَيْعُهُ إلَى أَجَلٍ بِعِشْرِينَ مِنْ جُمْلَةِ الْإِبِلِ , وَلَا يَخْلُو أَنْ يُبَاعَ وَاحِدٌ بِعِشْرِينَ إلَّا لِأَنَّهُ غَايَةٌ فِي بَابِهِ , وَإِنَّ الْعِشْرِينَ لَيْسَتْ فِي الْغَرَضِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا مُتَقَدِّمٌ , وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ جُمْلَةِ حَوَاشِي الْإِبِلِ الَّتِي لَا تُوصَفُ بِذَلِكَ , وَلَا تُشَارِكُ فِيهِ . ( ص ) : ( مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ اشْتَرَى رَاحِلَةً بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ يُوَفِّيهَا صَاحِبُهَا بِالرَّبَذَةِ ) . ( ش ) : قَوْلُهُ اشْتَرَى رَاحِلَةً بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ مَضْمُونَةٍ الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَوَازُ التَّفَاضُلِ فِيهَا إلَى أَجَلٍ ; لِأَنَّ الرَّاحِلَةَ الَّتِي أَخَذَ غَايَةٌ فِي الْحَمْلِ , وَالرَّاحِلَةُ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ الْإِبِلِ , وَكَذَلِكَ الْبَدَنَةُ , وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ , وَأَمَّا قَوْلُهُ يُوَفِّيه إيَّاهَا بِالرَّبَذَةِ فَإِنَّهُ إذَا عَيَّنَ مَوْضِعَ قَضَاءِ السَّلَمِ جَازَ ذَلِكَ , وَلَزِمَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ . ( ص ) : ( مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ إلَى أَجَلٍ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ ) . ( ش ) : قَوْلُهُ فِي بَيْعِ الْحَيَوَانِ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ لَا بَأْسَ بِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي الْخِلْقَةِ وَالِاسْمِ , وَهَذَا لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ , وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فِي الْخِلْقَةِ وَالتَّسْمِيَةِ , وَلَكِنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ أَوْ بِالْكِبَرِ وَالصِّغَرِ إنْ كَانَ مِمَّا يَخْتَلِفُ بِهِ , وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ قَبْلَ هَذَا .

Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article